فرض تنظيم الدولة الإسلامية بعد سيطرته على مدينة الموصل منتصف الشهر الماضي، نوعا من الهدوء رحب به الأهالي لكن سرعان ما اتخذ نشاط هذا التنظيم المتطرف اتجاها يهدد حضارة وتاريخ واقتصاد المدينة. عندما سيطر مسلحو التنظيم في العاشر من حزيران الماضي على الموصل، ثاني مدن العراق، إثر انسحاب الجيش منها، اضطر نحو 500 ألف، يمثلون ربع سكانها، إلى النزوح عنها. لكن بعض هؤلاء عادوا إلى منازلهم بعد أن شهدت المدينة هدوءا نسبيا وتوقفت في أعمال العنف والانفجارات في الأيام الأولى التي أعقبت سيطرة الجهاديين، الأمر الذي أكده أهالي المدينة. فقد أعيد فتح الطرق المغلقة ورفع حواجز التفتيش التي كانت تنتشر في طرقات المدينة، ذات الغالبية السنية، ما ساعد في إعادة جزء من الحياة إلى طبيعتها. وقال محمد ازهر أحد تجار الموصل: "عندما غادر الجيش ودخل المسلحون شعرنا بعودة الأنفاس للمرة الأولى، لكن ذلك لم يدم طويلا حيث سرعان ما شعر الأهالي بالمرارة والقلق مع إعلان خليفة للدولة الإسلامية التي تسيطر على مناطق واسعة في العراق وسورية". فمدينة الموصل التاريخية التي سكنها المسيحيون من قرون إضافة إلى أقليات أخرى، أصبحت مهددة بالموت، متطلبات الحياة اليومية مثل بنزين السيارات والتيار الكهربائي باتت بعيدة المنال كما اختفت تماما الكثير من الأدوية والاحتياجات التي تتعارض مع مبادىء الدولة الإسلامية. يقول مسؤول في الموصل مفضلا عدم كشف هويته: "لقد حرموا على الشباب ارتداء "التيشيرت" وأي ملابس تحمل أحرف أو شعارات مرفوضة من قبلهم، وأرغموا النساء على وضع حجاب على رؤوسهن وارتداء ملابس إسلامية". ويتنقل مسلحو التنظيم الذين يرتدون غالبا ملابس سوداء في مجاميع سيرا على الأقدام أو في حافلات مثبت عليها أسلحة رشاشة أو في سيارات كانت تابعة للشرطة وتحمل اليوم عبارة "الشرطة الإسلامية". واشار المسؤول إلى أن لعب الورق أو الدمينو محظور وحتى الشيشة والتدخين، رغم أن الأمر غير مطبق بحزم حتى الأن، وسببت تعليمات الدولة الإسلامية لبعض التجار ضررا كبيرا، بينهم زيد محمود تاجر الملابس الذي كان عليه ان يتخلص من بضاعته حتى وإن تطلب الأمر أن يبيعها بالخسارة. ويؤكد محمود: "خسرت حوالي 30 ألف دولار"، ولا يعد يسمح له اليوم مثل غيره من تجار الملابس إلا ببيع ملابس الحجاب الإسلامي. ويعاني الوضع الاقتصادي في الموصل اليوم من تدهور حاد بعد رحيل نسبة كبيرة من أهالي المدينة، وتوقف صرف رواتب العاملين في الدوائر الحكومية وقطع الطرق المؤدية إلى المدينة التي كانت مركزا تجاريا مهما بين تركيا وسورية وباقي مناطق العراق. كما تدهورت تجارة الخضر والفاكهة بشكل حاد، حسبما أكد أبو علي أحد الباعة في الموصل مشيرا إلى ان انقطاع الكهرباء ونقص الوقود لايساعد الباعة على تخزين المواد ما أدى إلى انخفاض حاد في الأسعار. وبالتزامن مع الظروف القاسية التي تعيشها الموصل، قام تنظيم الدولة الإسلامية باستهداف هوية المدينة وأقلياتها وأماكنها المقدسة وثقافتها. الكل هجر المدينة بسبب سوء الأحوال الأمنية