بدت واضحة نجاة الرئيس الجورجي ميخائيل ساكاشفيلي، بعد انزال الاعلام الاميركية في البلاد إثر انتهاء زيارة جوزف بايدن نائب الرئيس الاميركي الأسبوع الماضي. المعلّقون نعوه سياسياً العام الماضي، وموالون سابقون له انشقوا عنه وانضموا الى المعارضة، كما ان الحلفاء الغربيين حمّلوه مسؤولية بدء الحرب مع روسيا في آب (أغسطس) الماضي، والقادة الروس هددوه علناً ووصفوه بأنه «جثة سياسية». كان ساكاشفيلي قلقاً لدى استقباله بايدن الاربعاء الماضي. وقال لضيفه سعياً الى الحصول على الدعم، ان «لا عشاء مجانياً في جورجيا». ورحب ساكاشفيلي ب «عزيزي جو»، ورد بايدن داعياً اياه «السيد الرئيس». لكن يبدو أن ساكاشفيلي حصل على الاشارة التي سعى اليها. بايدن لم ينتقد ساكاشفيلي، أقله علناً. على العكس من ذلك، ركز غضبه على روسيا. وبدا واضحاًَ ان الرئيس الجورجي سينهي ولايته التي تنتهي عام 2013، ما لم يحدث شيء استثنائي. واعتبر لورنس سكوت شيتس وهو مدير برنامج القوقاز في «مجموعة الازمات الدولية»، الامر «ليس اقل من معجزة». وقال ان «سياسيين كثراً كانوا طووا أوراقهم، لكنه قال: لا». أبدى ساكاشفيلى مهارة كبيرة في التعلم من أخطائه المتكررة. قبل أقل من سنتين، تراجعت شعبيته بعد استخدام الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والهراوات، لتفريق تظاهرة مناهضة للحكومة، جُرح خلالها 500 شخص. بعد ذلك، اقتحمت القوات الحكومية قناة «اميدي» التلفزيونية المستقلة، واغلقتها. وبرر ساكاشفيلي الأمر بإحباط انقلاب مدعوم من روسيا، لكن صورته تهشمت بوصفه إصلاحياً. قام ساكاشفيلي آنذاك بخطوة تكتيكية محفوفة بالمخاطر: استقال وترشح للرئاسة مجدداً. ونال 52.8 في المئة من الاصوات، ما جنّبه خوض دورة ثانية، لكن النسبة كانت أقل بكثير من ال96 في المئة التي حصل عليها عام 2004، عندما اوصلته «الثورة الوردية» الى السلطة. بالكاد تعافى ساكاشفيلي من مقامرة إعادة انتخابه، حتى انفجر الوضع في أوسيتيا الجنوبية. هزمت روسيا الجيش الجورجي في غضون أيام، وسيطرت على اوسيتيا الجنوبية وابخازيا. وعلى رغم تأكيد ساكاشفيلى ان لا خيار كان امامه سوى مهاجمة تسخينفالي عاصمة اوسيتيا الجنوبية، لكن منتقديه يعتبرون انه أقحم جورجيا في حرب كارثية وغير ضرورية. واشار الكسندر راهر، وهو متخصص في شؤون روسيا في «المجلس الالماني للعلاقات الخارجية»، الى ان ساكاشفيلي يدرك تماماً تآكل الدعم له في أوروبا الغربية. وقال: «أتذكر تنقله من بلد إلى آخر لطلب المال، والسعي الى الانضمام لحلف شمال الاطلسي. كان يجول في العالم. ومنذ الحرب، لم يزر أي عاصمة غربية. ذهب الى لاتفيا وليتوانيا، وهو لا يسافر إلى الغرب، لإدراكه انه ليس موضع ترحيب». وهيّأت شخصيات سياسية نفسها لخلافته، بينها نينو بورجانادزه التي كانت شريكة ساكاشفيلي في «الثورة الوردية»، كما استقال إراكلي ألاسانيا من منصبه سفيراً لبلاده لدى الأممالمتحدة. وانضم هؤلاء إلى 10 أحزاب معارضة. وقال نيكولاي زلوبين، وهو محلل دفاعي في «مركز المعلومات الدفاعية» الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، ان «كل زعيم للمعارضة زار واشنطن العام الماضي، معتبراً انه الشخص المناسب» لخلافة ساكاشفيلي. لكن الاحتجاجات الشعبية الواسعة، على غرار تلك التي اطاحت الرئيس السابق ادوارد شيفاردنادزه وأتت بساكاشفيلى، تراجعت بعد أسابيع قليلة. والمعارضة افتقدت قائداً، وكانت منقسمة حول التكتيكات الواجب اتباعها، فيما حرصت الحكومة على عدم تكرار الأخطاء السابقة. وقال كاخا كاتسيتادزه، وهو خبير عسكري كان متحالفاً مع حزب معارض: «الكل في جورجيا كان يعتقد ان الولاياتالمتحدة ستحاول ايجاد ملك جديد. ما فعله (بايدن) كان أفضل بكثير. الآن كل جورجي يدرك أن مصيرنا رهن أيدينا».