«أربعة أرغفة خبز باتت اليوم بسعر خمس»، بهذه العبارات ينقل صاحب مخبز بارز في أحد الأسواق المكتظة في الخرطوم استياء السودانيين من ارتفاع الأسعار قبل أسابيع قليلة على الموعد المحدد للاستفتاء. وفي مطلع ديسمبر، كان السودانيون يعودون من متاجر الخبز في البلاد حاملين اكياسا بلاستيكية ملأى بقطع الخبز الساخن يبلغ ثمن كل منها 20 قرشا، الا ان هذه المرحلة تبدو اليوم من الماضي. ويقول محمد من امام طبق من الفول "قبل اسبوع كنا نشتري خمس قطع خبز بسعر جنيه سوداني اما اليوم فلا نشتري الا اربعا بهذا الثمن. الناس يشعرون بالاستياء"، اما زين التوم وهو احد التجار في مدينة ام درمان المقابلة للخرطوم على الضفة الغربية لنهر النيل فيقول ان "سعر دقيق القمح ارتفع بنسبة 30% بين ليلة وضحاها". وبحسب آخر البيانات التي اصدرتها وكالة الاممالمتحدة للزراعة والاغذية (فاو)، فإن سعر القمح في العالم ارتفع بنسبة 12% في الاسبوع الاول من ديسمبر بالمقارنة مع معدله في نوفمبر، و70% بالمقارنة مع شهر يوليو. وارتفاع سعر القمح على الاسواق العالمية تضاف اليه حالة اللااستقرار السياسي مع اقتراب الاستفتاء في جنوب السودان المقرر اجراؤه في التاسع من يناير 2011، يحمل تأثيرا مباشرا على الاكثر فقرا من السودانيين. ويستورد السودان، اكبر البلدان الافريقية مساحة، نحو ثلثي الاستهلاك السنوي من القمح لسكانه البالغ عددهم اكثر من 40 مليون نسمة، اي بما يقارب مليون و350 الف طن من اصل مليون و850 الف طن. ولاستيراد القمح، تحتاج السلطات ومصنعو الخبز الى عملات اجنبية. الا ان سعر الجنيه السوداني انخفض بشكل كبير خلال الاشهر الاخيرة، ويعود ذلك بجزء منه الى المخاوف المرتبطة بالاستفتاء الذي قد يؤدي الى تقسيم البلاد. ويقدم البنك المركزي السوداني حاليا دعما يقارب ال20% على سعر الصرف الرسمي للدولار - دولار واحد ل 2,5 جنيها سودانيا، ونحو ثلاثة جنيهات مع الدعم - وذلك على امل كبح السوق السوداء للعملات وتامين الوفرة في العملة الخضراء. لكن هذه الاستراتيجية لم توقف المضاربات. اذ ان سعر صرف الدولار يراوح عند مستوى 3,5 جنيهات سودانية في تداولات ضخمة في السوق السوداء بحسب الصيرفيين. ويعاني السودان من نقص في العملات الاجنبية المتاتية من النفط الذي ينتج منه السودان 500 الف برميل يأتي 80% منها من جنوب السودان، وهي المنطقة التي من المرجح ان يصوت سكانها لصالح انفصالهم عن الشمال في الاستفتاء المقبل. واقر محافظ البنك المركزي السوداني صابر محمد الحسن في أكتوبر الماضي ان البنك يواجه صعوبات في توفير النقد الاجنبي. وإضافة إلى سعر القمح، يرتفع ايضا في اسواق الخرطوم سعر السكر وهو من المواد الاولية التي تستوردها السودان على رغم انتاج البلاد كميات كبيرة منه. وبات سعر كيس السكر زنة 50 كلغ يباع حاليا بين 150 و160 جنيها سودانيا (اكثر من 55 دولارا) بعد ان كان يباع بنحو 105 جنيهات مطلع شهر رمضان الماضي في أغسطس. ونتيجة ذلك، قام باعة الشاي الذين يقدمون هذا المشروب ممزوجا بالسكر في متاجر مبتكرة تحت الاشجار برفع اسعارهم. وتوضح مريم وهي بائعة شاي في الخرطوم ان "سعر الشاي ارتفع من 50 الى 70 قرشا والقهوة من جنيه الى 1,5 جنيها". وبحسب المكتب المركزي للاحصاءات وهي الهيئة الحكومية المخولة مراقبة اسعار السلع الاستهلاكية في ولايات شمال السوجان، فإن مستوى التضخم ارتفع بنسبة 9,8% خلال تشرين الثاني/نوفمبر، مدفوعا بارتفاع سعر اللحوم والفاكهة والخضار. الا ان الخبر السار الوحيد في هذا المجال قد يكون اعلان السلطات زيادة في المحاصيل الزراعية من مادة السرغوم (ذرة)، المنتج الزراعي الاول في الارياف السودانية. لكن محمد يشكو من امام طبق الفول قائلا "اننا لا نزرعه في المدن، يجب علينا اذا ابتياعه من الاسواق. وثمنه مرتفع للغاية حاليا".