عسكر أميركا لم يربحوا حرباً منذ استغنوا رسمياً عن البغال في كانون الأول (ديسمبر) 1956. من كوريا وفيتنام إلى جمهوريات الموز في أميركا الوسطى والجنوبية، وحتى أفغانستان والعراق في السنوات الأخيرة لم تنتصر القوات المسلحة الأميركية في أي حرب، وكانت قبل تسريح البغال من الجندية لم تخسر حرباً منذ حرب الاستقلال. أعدُ القارئ إذا بقي معي بعد هذه المقدمة أن يجد في موضوع زاوية اليوم ما يسلي ويفيد، فقد كنت بدأت مع الثعالب والذئاب، وانتهيت مع البغال. الثعالب والذئاب هم المحافظون الجدد أنصار إسرائيل، أو عصابة الحرب الأميركية التي تسببت في قتل مليون عربي ومسلم في حروب فاشلة خاضها جورج بوش الابن لأسباب ملفّقة عمداً. وكنت في سبيل التحذير من أن المحافظين الجدد، وهم يضمون نسبة عالية جداً من اليهود الأميركيين الليكوديين المتطرفين، لا يزالون في مواقع النفوذ في الإدارة الأميركية وحولها، خصوصاً في الميديا، وأنهم سيعودون إلى البيت الأبيض مع ميت رومني إذا فاز. مجرمو الحرب هؤلاء يجب أن يحاكموا، وثمة أدلة كافية لإدانتهم، إلا أنهم تسببوا في حروب غير مبررة، ودمروا الاقتصاد الأميركي أو كادوا، وجرّوا معه اقتصاد العالم كله إلى الحضيض، ومع ذلك لا يزالون على وقاحتهم ويسعون إلى العودة مع رومني. وهذا مع العلم أن غالبية عظمى من اليهود الأميركيين ليبرالية معتدلة لا يمثلها المتطرفون. كنت أعرف أن الولاياتالمتحدة لم تربح حرباً منذ إنهاء خدمة البغال في الخمسينات بعد 125 سنة من الجندية لم يخسر خلالها عسكر أميركا أي حرب. وحاولت أن أتحقق من بعض المعلومات ووقعت على مادة كثيرة بينها كتاب عنوانه «تاريخ البغال في الجيش الأميركي» يستطيع القارئ المهتم أن يطلبه عبر «أمازون.» وجدت بعد البحث أن أبا الاستقلال الأميركي، جورج واشنطن، كان يهوى إنتاج البغال بعد أن أهداه ملك إسبانيا حماراً زوّجه من فرس، فكانت البداية. ثلاثة بغال هو شعار الأكاديمية العسكرية الأميركية في وست بوينت، ويعود إلى سنة 1899، كردٍ على شعار البحرية، وهو ماعز (شعار الكلية العسكرية البريطانية في ساندهيرست هو دمية دب اسمه ادوارد). في الحرب العالمية الثانية خدم 56 ألف حصان وبغل في القوات الأميركية، وكانت تابعة لما ترجمَته إلى العربية «خدمة المطايا» من بغال وخيل. وليس عندي دليل أفضل على العلاقة بين وجود البغال وانتصار عسكر أميركا وغيابها وهزيمتهم من أفغانستان والاحتلال السوفياتي في الثمانينات، فقد أرسل إد سيزر 1200 بغل لمساعدة المجاهدين الأفغان ضد الاحتلال، ونعرف أن السوفيات هُزموا في أفغانستان، وكانت الهزيمة بداية نهاية الاتحاد السوفياتي. وأبقى في أفغانستان فهناك الآن ما اسمه «مركز حرب البغال» التابع للمارينز (مشاة البحرية) في بردجبورت بولاية كاليفورنيا، وهو يدرب الطلاب على استعمال البغال أسوة بما رأى المارينز خلال عملهم في أفغانستان. البغل أبوه حمار وأمه فرس، لذلك سمعنا المثل «عيَّروا البغل بأبوه (أبيه) قال: الحصان خالي». وهو هجين لا يتوالد بسبب لخبطة في جيناته، لذلك أشعر بأن المحافظين الجدد وهم أخبث أهل الأرض وطلاب حرب دائمة فيهم مع ذلك شيء من البغال، فالمحافظون الجدد لا أصل لهم ولا مستقبل، خصوصاً إذا فاز باراك أوباما بولاية ثانية وعاملهم كما يستحقون، فهم الآن في حرب عليه، وهو ساكت أملاً بأن يعود إلى البيت الأبيض. ما كنت أريد أن أقول قبل أن تبعدني البغال عن موضوعي الأصلي أن من الخطأ الاعتقاد أن المحافظين الجدد ذهبوا مع بوش الابن، فهم لا يزالون يمارسون نفوذهم داخل الإدارة نفسها، وقد رأينا في سنة 2009 كيف رُشِّحَ الديبلوماسي الأميركي تشاس فريمان لرئاسة مجلس الأمن القومي، وكيف سُحِب ترشيحه بسرعة بعد أن تبيَّن أنه لا يؤيد إسرائيل تأييداً أعمى كما تفعل عصابة الحرب. اليوم أرى المحافظين الجدد، في إدارة أوباما لا بوش، وراء شيء أخطر كثيراً، فبعد مواقف لروسيا والصين ضد الولاياتالمتحدة، كما رأينا في سورية أخيراً، قررت الإدارة الأميركية «عسكرة» المحيط الهادي بعد تمويل المعارضة الروسية لتحجيم فلاديمير بوتين، وهي الآن تمول بناء قاعدة عسكرية في جزيرة تابعة لكوريا الجنوبية، وتحاول ضم الفيليبين إلى خططها، وقد أعلنت بحر جنوب الصين منطقة مصلحة وطنية أميركية. أقول أن بلداً يُهزَم في أفغانستان والعراق لن يربح ضد روسيا والصين، وأزيد أن أي بغل محترم كان سيرى ذلك. غداً أكمل بالمحافظين الجدد من دون بغال. [email protected]