كم برنامجاً تلفزيونياً «معمّراً» نستطيع أن نعدّد في فضائياتنا العربية التي لا تحصى؟ ما يعنينا هنا ليس الزمن في حد ذاته، ولكن الزمن مقروناً بمحافظة البرنامج على علاقة حيوية مع مشاهديه تجعله في صورة مستمرّة يعكس هموم أولئك المشاهدين وحاجاتهم ورغباتهم، ويجعلهم هم أيضاً يحرصون على متابعة حلقاته، وتقديم مساهمات واقتراحات وتساؤلات، هي بالتأكيد من علامات التفاعل وصفاته. قد يكون عمر البرنامج التلفزيوني قصيراً – غالباً – ولا بد بعده من التوقف كي لا يسقط في التكرار والإملال، ومع ذلك تستطيع برامج محدّدة أن تضمن لنفسها حياة طويلة، واستمرارية لا محدودة حين يتعلّق الأمر بشؤون حيوية، ويتجاوز مضمون البرنامج القضايا العابرة وما يشابهها. هنا بالذات يحضر إلى الذهن برنامج مثل «خليك في البيت» لمعدّه ومقدمه الشاعر زاهي وهبي، وهو من البرامج القليلة على فضائياتنا العربية التي تمكنت من كسر اشتراطات الزمن وسطوته وتأثيره. إذ عرف وهبي كيف يضع برنامجه كلّ مرّة في قلب الحياة الثقافية والاجتماعية العربية من خلال حسن اختيار الضيوف – ومعهم بالطبع موضوع الحلقة – ولكن أيضاً من خلال نجاحه اللاّفت في إدارة جلسة حوار حيوي تتجاوز تقاليد «الاستنطاق» الشائعة في غالبية الحوارات التلفزيونية العربية. هي حوارات تنجح لأن زاهي وهبي يديرها استناداً إلى ثقافة عالية وإعداد جيد يحيط بالتفاصيل والجزئيات. والأهم أنه ينطلق من سعي إلى الحقيقة لا من رغبة في مساجلة الضيف بالمعنى الذي يجعل المساجلة نوعاً من المناكفة التي لا تفيد البرنامج ولا تلبي رغبة المشاهد. بدرجات متباينة يمكننا هنا أيضاً أن نشير إلى برامج حوار أخرى نشاهدها في هذه القناة الفضائية أو تلك، لعلّ منها البرنامج الشيّق والناجح الذي تعدّه وتقدمه الشاعرة البحرينية المتألقة بروين حبيب، «نلتقي مع ...» والذي يمتلك هو أيضاً جماليات التقديم وحيويته من دون أن يفقد جدارة المضمون. هي معادلة دقيقة نظنّ أنها تقع في المسافة الحيوية بين الجماليات الفنيّة والمضامين القابلة للتفاعل، أي للاحتفاظ بديمومتها واستمرارها لسبب بسيط هو انفتاحها على الصدق والرّغبة في تحقيق الهدفين: الفائدة والمتعة معاً.