قد لا يكون مسلسل «حرب الجواسيس» الأنجح من بين كل المسلسلات التي عرضت في رمضان المنصرم. وقد لا يكون قدر الصدقية التاريخية فيه، أكبر من قدر الصدقية في أي مسلسل آخر مأخوذ مما يعتبر «أحداثاً واقعية». ومع هذا شعر كثر من الذين تابعوا حلقاته بأن فيه شيئاً مختلفاً. المشاهدون من غير هواة السينما ومتابعيها، أعلنوا في شكل عام أن أموراً كثيرة في هذا المسلسل قد اجتذبتهم، إضافة الى موضوعه الجذاب بصرف النظر عما إذا كان أميناً للوقائع التاريخية أم لا. في الوقت نفسه أبدى الجمهور تعاطفه مع مسلسل شوقي الماجري «هدوء نسبي»، وكذلك مع «رجال الحسم» لنجدت أنزور. ولعل ما يمكن قوله في هذا الإطار هو أن جزءاً كبيراً من جاذبية هذه المسلسلات، أتت من الشكل واللغة الفنية التي قدمت بها، بقدر ما أتت من المواضيع التي تحاول أن تقول جديداً. ونبقى هنا مع العامل الأول لنتساءل ما هو القاسم المشترك بين هذه الأعمال الثلاثة، والذي، بحسب المتابعين، اجتذب الأعين والآذان، حتى من قبل أن يجتذب الأفكار والعواطف. والجواب الذي يمكن اقتراحه هنا هو: هذا القاسم المشترك هو اللغة السينمائية التي اشتغل مخرجو المسلسلات الثلاثة، على أساسها. لغة كانت واضحة في حركة الكاميرا وأسلوب التمثيل، كما في التوليف، جعلت المتفرجين، حتى من دون أن يتنبهوا كثيراً الى الخلفيات السينمائية للفنانين المخرجين، يعبرون عن ذلك الانجذاب الذي نادراً ما تؤمنه لهم لغة التلفزة المستقاة عادة من جمودية المسرح، وأحياناً في صلب العمل الإذاعي، حيث يبدو الممثلون وكأنهم يؤدون عملاً حوارياً أمام الميكروفون. والحقيقة أن لغة نادر جلال ونجدت أنزور وشوقي الماجري (أصحاب «حرب الجواسيس» و «رجال الحسم» و «هدوء نسبي» تباعاً) ظهرت وتحديداً من خلال تكتمها، بمعنى أن كلاً من المخرجين الثلاثة، قدم موضوعه في حركة متواصلة وتقطيع (سيناريو) موضوعي تبع الأحداث والعلاقات، من دون أن يبدو أنه يفعل ذلك. ومن هنا كانوا محقين أولئك المتفرجون الذين فاجأوا أنفسهم يتفرجون وهم يشعرون أنهم في قلب الأحداث، لا مجرد متفرجين عليها كما يحدث عادة في لعبة التفرج التلفزيونية التقليدية. ويقيناً أن هذا الشعور ينبعث إزاء العمل، بخاصة حين يكون مبدعه آتٍ من السينما، أو يفكر سينمائياً حتى وهو يخرج عملاً للتلفزة. وهنا يكمن في رأينا الفارق الأساس بين أعمال تقدم تلفزيونياً لمجرد أن تقدم، في معنى أن مخرج العمل يكون مجرد تقني جيد، وأعمال تقدم وهي تحاول أن تجدد في لغة الأعمال التلفزيونية، تجديداً يمت الى السينما بألف صلة. طبعاً، لا نقول إن الماجري وجلال وأنزور كانوا وحدهم «سينمائيي» التلفزيون هذا الموسم، لكنهم كانوا الأمثلة الأكثر وضوحاً وتألقاً... الأمثلة التي أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها يمكن أن تحتذى وتشكل نواة مدرسة مجددة في العمل التلفزيوني العربي.