أكد الباحث السعودي إبراهيم بن حمد آل الشيخ ل «الحياة» اطلاعه على كتاب بعنوان «بجوار الكعبة المشرفة» يقدم فيه شهادة على أيام يسيرة قضاها على مقربة من المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود. وقال آل الشيخ: «خلال قراءتي كتاب «بجوار الكعبة المشرفة» للصحافي محيي الدين رضا ابن أخ العلامة محمد رشيد رضا والذي سجل فيه مشاهداته للحج عام1361ه، مررت بنقاط مهمّة شدتني بشكل كبير». وتابع: «مما شدني ما ورد في الصفحة 87 من حديث الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إلى الوفد السوري، يحثهم على التماسك وعدم التخاذل وتقديم المصلحة العامة وعدم التقاتل لأجل المناصب، وكأن التاريخ يعيد نفسه وما أشبه الليلة بالبارحة، فبعد 72 عاماً نرى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يبذل الغالي والنفيس من أجل استقرار سورية وغيرها، وهذا ليس بمستغرب، فهو خريج مدرسة الملك عبدالعزيز الذي وحد البلاد على الكتاب والسنة، وألّف القلوب بعد تفرقها». أضاف آل الشيخ: «من هنا يتبين لنا حرص الملك المؤسس على جمع كلمة المسلمين، ونبذ الحزبية، والتمسك بالشريعة السمحة، فلقد سبق عصره بنظرته الثاقبة، وما موقف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ملك الإنسانية من القضايا الإسلامية إلا امتداداً لما بناه موحد الجزيرة». وجاء في الكتاب ما نصه: «تشرّف وفد من أبناء سورية بمقابلة جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود يوم الأحد 18 يناير سنة 1946 في قصر الزعفران، وكان دولة السيد جميل مردم بك، وزير سورية المفوض بمصر وقتئذ، يقدمهم إلى جلالته، فصافحهم فرداً فرداً وهو واقف، ولما جلس جلالته جلسوا جميعاً فرحب بهم، وأخذ يلقي عليهم درره الغالية من النصائح الحكيمة، فقال: «إننا مسلمون وعرب نفخر بتاريخنا، ولاسيما في عصر النبوة وما تلاه من عصر الخلفاء الراشدين. ولقد كان أهم عامل في نصر العرب هو التضامن والتساند والطاعة. فأوصيكم بأن تنهجوا على الطريق الذي سار عليه سلفكم العظيم. اعتمدوا على أنفسكم بعد الله فأنتم الشعب ولكم النصر والبقاء، ولا تعتمدوا على ملوك أو أمراء، ولا يحرص أحد منكم على الكراسي في سبيل ذلة الوطن. اعملوا لأنفسكم ولأوطانكم، وليكن أمامكم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وليكن كل منكم جندياً في صفوف الوطن. وإنكم أنتم يا أهل سورية جاهدتم أكثر من غيركم جهاداً متواصلاً، وكنتم خير قدوة من قديم الزمان إلى اليوم، وإنني أفخر بأن معظم العاملين معي هم من أهل سورية، وإنني لا أطلب منكم العمل إلا لخدمة أنفسكم، فأنا لا أحرص على إحلال أحد من أولادي عندكم، بل إنني أقول لكم بصراحة: إن الخير كل الخير لكم في اعتمادكم على أنفسكم وليس على أحد آخر مطلقاً حتى ولا على أولادي»! لقد بادرت بالاعتراف بسورية، ولقد سبب اعترافي بها في إبانه عدم راحة بعضكم - أليس كذلك يا جميل مردم؟» (فقال جميل بك: نعم). ولقد قابلت روزفلت فتكلمت معه بشأن سورية ولبنان وفلسطين، ولم أتكلم معه بشأن بلادي خاصة، لأنني أعد نفسي عاملاً لرفعة شأن بلاد العرب كلها، فوعدني بمساعدة العرب. ونحن جنود لخدمة الوطن العربي في كل بقعة من بقاعه، نعمل بكل قوانا لإنقاذ البلاد العربية من براثن أوروبا». وتطرق محيي الدين رضا إلى مقابلة جلالة الملك عبدالعزيز، وطلب من جلالته التفضل بحديث لصحيفة «الكتلة» التي كان يراسلها، ونشرته صحيفة «الرأي» في عددها السادس من السنة الثانية لعام 1366ه، فقال المؤلف: «حصل لي الشرف بمقابلة جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود في قصره العامر بالمعابدة في مكةالمكرمة قبيل ظهر يوم الإثنين غرة المحرم سنة 1366ه»، ثم ذكر أن جلالة الملك عبدالعزيز تحدث عن نبذ الحزبية: «وجلالته يرى أن التحزب هو بدعة أوروبية لا تفيد الشرق في حالته الراهنة، وعلى الأسلوب الذي سرنا عليه من التنازع والخصومات، لأن الإنكليز مثلاً لا تتأثر هيئاتهم وجماعاتهم بالخصومات أمام الشيء المفيد لبلادهم، فكلهم يتفقون على العمل لخير بلادهم. وأما نحن فإننا نعمل لمحاربة بعضنا بعضاً، من أجل الوصول إلى كراسي الحكم، فحبذا لو أننا نتحد للعمل لما فيه خير البلاد أولاً، وقبل كل شي إن السياسي الذي يعمل لجمع كلمة الأمة وتوحيد صفوفها هو الذي يستحق الحب والاحترام من الجميع». ويضيف الملك عبدالعزيز: «ليس معنى دعوتي للاتحاد أنني أدعو لترك الحزبية، كلا، فإنني أظن أن هذا الترك ليس من السهل تحقيقه، وإنما أود الاتحاد في ما فيه خير البلاد قبل كل شيء». «لقد قلدنا الغرب في التحزب، ولكن فاتنا أن الغربيين ينبذون الحزبية إذا تعارضت مع مصالح بلادهم كما هو المشاهد والمحقق للجميع، فالإنكليزي إنكليزي قبل كل شيء، والفرنسي فرنسي قبل كل شيء». «أدعو العرب جميعاً إلى الالتفاف حول جامعة الدول العربية، لأن خصومنا أقوياء وفي اتحادنا قوة لنا جميعاً. ولقد استطاع اليهود أن يقنعوا العالم أن العرب لا يمكن أن يتفقوا ويتحدوا، فلنكذبهم بشيء يعود علينا بالخير العميم والنفع المحقق».