منذ أن تولى جلالة الملك فيصل الحكم وضع أمام ناظريه من ضمن الأهداف التي وضعها فلسطين، وشعب فلسطين. وربط جميع الأهداف الأخرى بتحقيق هذا الهدف وهذا ما اعلنه في خطاب البيعة في 3/11/1964 عندما قال (إن من أهداف سياستنا الخارجية المعروفة.. السعي إلى تحرير جميع أجزاء الوطن العربي التي لاتزال تحت الاستعمار). (ثم في نيويورك في 25/6/1966 عندما اعلنها للشعب والحكومة الأمريكية حيث قال لمراسلي صحيفة (النيوزدي) إن اليهود في جميع أنحاءالعالم يؤيدون اسرائيل وهم يقدمون العون لها. وفي وضعنا الحالي فإننا نعتبر أولئك الذين يقدمون العون لأعدائنا.. بمثابة أعداء لنا.. ان اليهود الذين جاءوا من الخارج إلى فلسطين هم غرباء وقد كانوا معتدين لأنهم استولوا على أرض تخص سكانها وليست لهم). وما فتئ جلالة الراحل الكبير يذكر العالم بفلسطين والشعب الفلسطيني وما يواجهه من ويلات بعد أن قام المعتدي بطرده من أرضه ومن ضمن ذلك في خطابه الذي ألقاه في أنقرة خلال زيارته لتركيا في 29/8/1966 عندما قال جلالته (ان الويلات التي يقاسيها الشعب العربي الفلسطيني لم يسبق أن مرت على شعب في العالم، لأنها نتيجة للعدوان ونتيجة لاغتصاب الحق، ونتيجة لتسلط القوى الظالمة على شعب مسلم لايريد إلا البقاء والحياة بسلام وأمان في بيته وفي وطنه). وفي الخطاب الذي ألقاه في وفود الحج في 5/3/1968 الموافق للسادس من ذي الحجة 1387ه. (إن هناك مقدسات لكم تداس وتهان.. هناك ثالث الحرمين الشريفين.. فهو لنا جميعاً.. انه ليس للعرب دونكم أيها الأخوان لكنه للمسلمين جميعاً، وأنه يتعرض اليوم لأعظم الكيد وانتهاك الحرمات واني لأهيب بإخواني المسلمين أن يهبوا لنصرة دينهم، وللدفاع عن مقدساتهم، لأن الله سبحانه وتعالى، قد فرض علينا ذلك وقال في محكم التنزيل (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه). وواصل جلالته المسيرة وهو في عهد بينه وبين نفسه أن يعمل بكل ما يمكن أن يحقق الأمنية وكانت مؤتمرات القمة العربية مجالاً آخر لمحاولة الوصول إلى الهدف المنشود وذهب اليها ليعلن في المؤتمر الثاني بالاسكندرية أمام جميع الملوك والرؤساء العرب (فإن المملكة العربية السعودية تعتبر نفسها سنداً لكل عربي وفي خدمة أي عربي). وأكد جلالته أن فلسطين هي وطن للشعب الفلسطيني ولكن مقدساتها الاسلامية هي لجميع المسلمين ويجب اشتراك جميع أقطار العالم الاسلامي في استرداد هذه المقدسات. وأن ذلك لن يتأتى بدون تفاهم اسلامي حقيقي بين هذه الدول وليعلنها صريحة في خطاب البيعة في 3/11/1964. (إن من أهداف سياسة المملكة الخارجية المعروفة السير مع الدول الاسلامية في كل ما يحقق للمسلمين عزتهم ورفعة شأنهم) وكانت أولى دعوات جلالته دعوة الأقطار الإسلامية إلى مؤتمر عام يتداولون فيه ما يهم الأمة الاسلامية جمعاء. ومرة أخرى في مؤتمر قمة عربي وبعد هزيمة حزيران المشؤومة ذهب جلالته ليكرر ما قاله في ثاني مؤتمر وبحرارة الكرامة العربية التي دنست.. وما لحق المقدسات الاسلامية في فلسطين بعد أن داسته الأقدام الخبيثة وصعدت على قبة الصخرة لتسخر من الأمة الاسلامية جمعاء وهي (محمد مات وخلف بنات) فيعلن جلالته في المؤتمر الذي عقد في الرباط في 10 ديسمبر عام 1969 (إذا اردتم المعركة فميزانية السعودية كلها لها). هذا بالإضافة للمساعدة الكبيرة التي التزمت بها المملكة لدول المواجهة بعد مؤتمر الخرطوم الذي عقد بعد هزيمة حزيران مباشرة. وكان من جلالته ما وعد للمعركة التي آمن أنه بغيرها لن ترد مقدسات ولن تستعاد الحقوق الضائعة بين كواليس الأممالمتحدة وفي رمال سيناء وهضاب الجولان المحتلة، فعمل للمعركة وقدم لها وهو صامت، حتى كان العاشر من رمضان ليكبر جنود المسلمين على أنقاض خط بارليف وشواطئ طبرية وأمر جلالته بوقف ضخ النفط لايمانه أنه السلاح الذي يمكن للعرب النيل به من الذين لم تمنعهم ظلال صداقة، ولا عمق مصالح اقتصادية من مساعدة الغزاة والأعداء بأسلحة الدمار والفناء. كان جلالته يؤمن أن المعركة هي الوحيدة التي تسترد كرامتنا وحقوقنا وعزتنا. وهذا ما أعلنه صريحاً في خطاب في الحج عام 1390 حينما قال (هناك من يدعو إلى إيجاد حلول. أو أن يكون هناك سلام، أو أن يكون هناك تفاهم ومقدساتنا مهانة وبلادنا محتلة وشعبنا مضطهد ومشرد فإذا لم تكن الحلول تؤمن لنا استعادة مقدساتنا واستعادة أراضينا والحفاظ على حقوق شعبنا المشرد فكيف يمكن أن نقبل هذه الحلول أو نرضخ لها؟ فهذا معناه أننا نستسلم لأعدائنا، وأن نقبل الهزيمة وأن نرضى بتحطيم كرامتنا وعزتنا). ولذلك عندما بدأت المعركة التي كان جلالته على علم بساعة الصفر فيها. وكيف لايعلم وهو من الأقطاب الأساسية في الإعداد لها، أمر جلالته الوحدات الموجودة في الأردن التوجه إلى ميدانها لمشاركة أخوة لهم شرف الجهاد واسترداد حقوق شعب ظل يعاني الويلات ربع قرن. الفيصل .. والمقاومة لم ينس الفيصل كلمات والده الملك عبدالعزيز رحمه الله عندما قال للحكام العرب قبل دخول جيوشهم فلسطين في 1948 (اتركوا الشعب الفلسطيني يقاتل بنفسه فإنه أقوانا في المحافظة على أرضه، وما علينا إلا مد يد المساعدة له) ولم ينس الفيصل كلمات عبدالعزيز، فما أن برزت المقاومة الفلسطينية وخصوصاً بعد معركة الكرامة بل وقبلها حتى بدأت المساعدة التي دعا إليها عبدالعزيز فأخذ يدعمها رحمه الله بكل مساعدة ممكنة لتستطيع السير في طريق تحرير مقدساتنا واسترداد الحقوق التي آمن بطريق تحريرها مثلما آمن أصحابها المباشرون ولتواجه الحراب الخفية التي كانت تحاول الانقضاض عليها. وبعد معركة رمضان وعندما بدأ الحديث عن حقوق شعب فلسطين المشروعة وجد جلالته أن هذا الشعب لن يستطيع تحديد حقوقه المشروعة وسط هذا الخضم المتناقض من المشاريع والخطط. لذلك وجد لزاماً أن يكون لهذا الشعب ممثل رسمي يمكنه الحديث عنه، وإبرازه كشعب مستقبل في المنطقة يجب أن يكون له وطن مستقل كذلك. وكان مؤتمر الجزائر الأول في نوفمبر 1973 فوجد جلالة الفيصل أن الوقت قد حان لإيجاد هذا الممثل وصدرت قرارات المؤتمر صريحة أن منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني ووقف جلالته للمعارضين والقوى المضادة التي لم يكن في حسبانها أن تعود الشخصية الفلسطينية إلى الساحة العربية بعد محاولات طمس استمرت 25 سنة. وعاد ليؤكد ذلك للعالم في مؤتمر القمة الرباعي الذي عقد في الجزائر في 14 فبراير عام 1974 (22محرم 1394ه) وفي البيان المشترك حيث أكد والرؤساء الثلاثة قرارات مؤتمر القمة العربي الأول في الجزائر والتي تخص الشعب الفلسطيني وحقوقه. ولم تتوقف جهود جلالته بالشخصية الفلسطينية عند النطاق العربي. بل انتقل بها إلى مؤتمر القمة الاسلامي الذي عقد في لاهور عاصمة باكستان في فبراير 1974 لتمثل الشعب الفلسطيني كعضو مستقل ومعترف به في نطاق العالم الاسلامي. ثم إلى مؤتمر القمة العربي في الرباط في 26 أكتوبر 1974 لاقناع الطرف العربي المعارض على تمثيل الشعب الفلسطيني بمنظمته وبعد محاولات بذلها جلالته بحكمته ودرايته المعهودة صدرت القرارات التي كانت ضربة قاصمة للعدو الاسرائيلي وللقوى المؤيدة له في عدوانه عندما أعلنت القرارات أن : 1 دعم منظمة التحرير الفلسطينية في مواقفها في الدورة الاعتيادية التاسعة والعشرين للجمعية العمومية للأمم المتحدة وكان دعماً حقيقياً حتى أصبحت منظمة التحرير الفلسطينية عضواً في المنظمة الدولية. 2 تأكيد احترام مقررات مؤتمر القمة العربية في شأن اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني حينما وجد ورفض ادعاء أي جهة أخرى حق تمثيل أي جزء من هذا الشعب الواحد أو التحدث باسمه وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في العودة إلى وطنه وتقرير مصيره ودعم منظمة التحرير الفلسطينية في ممارسة مسؤولياتها على الصعيدين العربي والدولي وفي اطار الالتزام العربي. وبعد أن اطمأن جلالته الى وقوف الشخصية الفلسطينية قوية، وبعد أن أكد لرئيسها السيد ياسر عرفات بأنه (مع الشعب الفلسطيني حتى ولو خذله جميع العالم) حول جلالته الجهود الى حقوق هذا الشعب باسم ممثلتها الشرعية والوحيدة وأن من هذه الحقوق القدس العربية التي هي رمز اسلامي لجميع المسلمين واعلنها صريحة أمام نيكسون وهو ضيف عنده في زيارته للمملكة في يونيو 1974 (25/5/1394ه) حين قال في خطابه (وفي اعتقادنا أنه لن يكون هناك سلم حقيقي ودائم في المنطقة إذا لم تتحرر القدس وتعود تحت السيادة العربية وتحرير جميع الأراضي العربية المحتلة ويسترد الشعب الفلسطيني حقه في العودة إلى وطنه وتقرير مصيره). ثم لوزير خارجية أمريكا هنري كيسنجر عندما زار الرياض في 20 اكتوبر عام 1974 وحينما كرر دعوة الرئيس الأمريكي جيرالد فورد لجلالته لزيارة الولاياتالمتحدة رد جلالته بنفس الصراحة والوضوح (ان الزيارة ستتم بعد أن نرى أن الولاياتالمتحدة قد نفذت ما وعدت به من تحقيق سلام دائم يقوم على العدل وأن القوات الاسرائيلية المعتدية قد انسحبت من جميع الأراضي العربية واسترداد الشعب الفلسطيني جميع حقوقه. ولضمان سلامة الشخصية الفلسطينية ومواصلة عملها في جو آمن وعلى أرض صلبة قام جلالته برحلة إلى أرض الجبهات الثلاث ليتأكد عن كثب من سلامة التنسيق ومتانة الروابط حتى تشد أزر الجبهات العربية التي تعهد جلالته قبل معركة اكتوبر بأن يضع كل امكاناته معها في المعركة فكانت بداية رحلته إلى الجمهورية العربية السورية، ومنها إلى المملكة الأردنية الهاشمية ومن ثم إلى جمهورية مصر العربية. وكان في كل محادثاته بعد تنقية الجو يؤكد على التنسيق العربي المشترك ودعم بلدان الجبهة بما يمدها بالقوة اللازمة لمواصلة المعركة، ويؤكد على أن الشعب الفلسطيني له من يمثله وخير من يمكنه التكلم عن حقوقه، وكان ذلك في البيان السعودي السوري المشترك إذ جاء في البيان: (ان الجانبين اتفقا على الاستمرار في دعم منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الوحيد الشرعي للشعب الفلسطيني دعماً كاملاً على المستويين القومي والدولي بغية تمكينها من تحرير الأراضي العربية واسترداد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني) وفي البيان الصادر عن محادثات جلالته مع جلالة الملك حسين (فقد أكد العاهلان عزمهما على مواصلة تنفيذ مقررات مؤتمر القمة العربي السابع في الرباط وخاصة فيما يتعلق بتمكين منظمة التحرير الفلسطينية وبصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني من القيام بمسؤولياتها الجديدة على الصعيدين القومي والدولي). وفي جمهورية مصر العربية كرر جلالته هذا التأكيد في البيان المشترك حرصاً من جلالته على منظمة التحرير الفلسطينية وعلى الشعب الذي تمثله وعلى حقوقه التي من ضمنها القدس العربية وفيها الأقصى الحزين تحت احتلال عدو غاشم منعنا من دخوله. وكانت خاتمة جهاد جلالته من أجل فلسطين.. بعد ساعات من لقائه مع ياسر عرفات هذا اللقاء الذي قال جلالته عنه (لقد التقينا بدون موعد وكأننا على موعد.. ) وكأن العناية الإلهية رتبت هذا اللقاء ليبقى ذكرى وان كانت ستبقى مقرونة بالحزن المؤلم، لكنها ستبقى دافعاً لنا للعمل من أجل تحقيق أمنية الفيصل العظيم، وخاصة بالنسبة للشعب الذي عمل الفيصل من أجل استرداد حقوقه دافعاً لتحقيق الأمنية حتى عمل مخلصاً مؤمناً لتحقيقها، وان كان قد ذهب الفيصل عنا بجسده فقد بقيت لنا أعماله وأقواله التي أنارت الطريق التي رسمها لنا وللرجال الذين تولوا بعده. فان كان الفيصل ذهب عنا. فلنا عزاء في الرجل الذي تسلم القيادة بعده ليواصل المسيرة والتي بدأها فقيد الأمة الاسلامية. وفي الوقت الذي نشعر فيه أن الكلمات ما كانت في وقت كافية للتعبير عن حقيقة المشاعر والعواطف كاملة فإننا نشعر في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى أن الكلمات لن تفي بالغرض ولن تصور الكرب الذي ألم بنا من فقد الفيصل، ولكننا نقولها لنخفف من هذا الكرب الذي فاضت به النفوس نقول ولو كلمة نقول فيها لقد بدأت بطلاً مخلصاً ورعاً صريحاً جريئاً لاتخشى في الحق لومة لائم، ولا في الحقوق الوطنية والمصيرية أية جهة لاتتعلق بمصير هذه الحقوق. لقد كرست هذه الحياة الغالية رخيصة في سبيل أمتنا العربية والاسلامية وذهبت وأنت تواصل المسيرة.. مسيرة الجهاد.