هلَّ هلال رمضان على مصر هذا العام وقد ارتدى رداء يواكب الأحداث، إذ يجد المصريون أنفسهم يستهلون صيام أيام الشهر وهم واقعون بين شقي رحى منخفض الحد الموسمي المحمَّل بكتلة هوائية قائظة الحرارة من جهة، ومعضلة الربكة السياسية المتأزمة المحملة بأحكام قضائية ملغومة وتشكيلات وزارية مأزومة من جهة أخرى. تكالب الحرارة الرهيبة والسياسة المتأزمة على المصريين أسفر عن حال من الشلل المروري الكامل في شوارع القاهرة على مدار ال48 ساعة الماضية، وهي العادة الرمضانية الكلاسيكية منذ سنوات، إلا أن شلل هذا العام بدا محملاً بالسياسة ومحفوفاً بالتظاهر في أماكن عدة، وليس مجرد هجمة شعبية صباحية معتادة على محال السوبرماركت والكنافة ونزوح ليلي جماعي لمقاه تعرض ما لذَّ وطاب من دراما رمضان المتأرجحة بين الكوميديا والتراجيديا. ويشكك البعض هذا العام في قدرة المصريين على المواءمة بين أنواع الدراما المتكالبة عليهم جواً عبر أثير التلفزيون وأرضاً من خلال الواقع. فعلى أرض الواقع هناك تراجيديا حل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور و»كوميديا» البرلمان بين أحكام البطلان وقرارات العودة وأنواع عدة من «الفانتازيا»، فهناك «فانتازيا الواقع» في ميدان التحرير حيث «لازم حازم» تستعد بخيام اعتصام و»موائد رحمن» وسرادق سياسة مختلطة بالدين، وهناك كذلك «فانتازيا البطل الخارق» حيث يرابط بائع «السوبيا» أمام القصر الرئاسي من قبل آذان المغرب وإلى آذان الفجر، إضافة إلى «فانتازيا الأساطير» حيث تصارع قوى «الإخوان» جنرالات العسكر بحثاً عن كنز السلطة المفقودة. وعبر الأثير، ومع بدء الحلقات الأولى في وجبة رمضان المتخمة بالسعرات الدرامية كافة، وجد المصريون في عناوينها ما يمثل إسقاطاً على واقعهم الرمضاني الحار. فتشكيل الحكومة الجديدة الذي بات ينافس أعتى الولادات تعثراً وأعنف المعارك سرية وأغرب العجائب غموضاً يتواءم ومسلسل «سر علني» وما يحمله من تناقض، في حين يشبِّه المنتمون إلى الفكر الفاصل بين الدين والسياسة صراع أعضاء الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور وأغلبهم من تيارات الإسلام السياسي مع الزمن ل «سلق» الدستور بمسلسل «في غمضة عين»، ويرى آخرون أنها أقرب ما تكون إلى «الصفعة» الموجهة من الإسلاميين لليبراليين. في الوقت نفسه يرى الإسلاميون في محاولات التيارات الأخرى التواجد معهم على الساحة ما يشبه مسلسل «خطوط حمراء». أما المشاهدون المصريون ممن ملوا وسئموا المشاهد المطولة من دون داع على المسرح السياسي المصري، وأبرزها مشاهد صراع «الإخوان» والمجلس الأعلى للقوات المسلحة على تحديد السلطات، فيرونه مطابقاً لمسلسل «الأخوة أعداء»، لا سيما أغنية المقدمة وعنوانها «حسبي الله». وهناك من ينظر إلى هذا المسخ السياسي باعتباره مؤامرة خارجية حيناً كما في مسلسل «طرف ثالث»، أو إصراراً من النظام القديم على إجهاض الثورة على غرار مسلسل «ابن النظام»، أو ثورة تم اختطافها وصارت أشبه بمسلسلي «شربات لوز» أو «زي الورد» بالنسبة إلى تيارات الإسلام السياسي. ومن المسخ السياسي إلى المسخ الاقتصادي الذي يعصف بكثيرين من المصريين مع استمرار تأزم الأوضاع وترشحها للتعقد أكثر فأكثر في الشهر الكريم. الموظف الغلبان الذي وجد نفسه منخرطاً في حالة ضحك هيستيري أمام الحلقة الأولى من مسلسل «خرم إبرة» تساءل عن «الخرم» الذي يمكنه أن ينفذ منه ليتخطى الحال الاقتصادية المزرية التي يجد نفسه فيها بعد مرور 16 شهراً على ثورة قامت من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. وهو لا يجد متنفساً له ولا لمشاكلة إلا من خلال الانغماس في مسلسل على غرار «الهروب» لأنه بات الحل الوحيد. حلول أخرى يبحث عنها المصريون في غمار أيام رمضان القائظة بالتضرع إلى الله ليمد لهم يد العون، فمنهم من يدعو لمصر بالسلامة، ومنهم من يدعو بدحض الليبراليين باعتبارهم أعداء الدين، ومنهم من يدعو برد كيد الإسلاميين باعتبارهم مخططين للسيطرة على الدولة ومؤسساتها، ومنهم من يدعو بعودة الملل والوتيرة الميتة إلى الأحداث كما في عهد النظام السابق مستحضراً «نوستالجيا» السأم بعدما كادت الإثارة تقضي عليه.