مسلسل «الجماعة» الذي يروي النشأة الأولى لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، مع إسقاطات زمنية على تشعبات الجماعة وفعالياتها في الساحة السياسية الحاضرة، هو من أكثر البرامج الرمضانية إثارة للاهتمام والجدل في آن، باعتباره -أولا- مسلسلا فنيا يحاكي التاريخ الحقيقي، وكل مسلسل تاريخي يتعرض للنقد الشديد؛ لأنه يخلط بالضرورة بين الحقيقة والخيال، وبين التاريخ والدراما، وبين الواقع ورؤية الكاتب، حيث من الطبيعي أن تكون أحادية وغير موضوعية. فحين يسطر الكاتب الدرامي مسلسلا تاريخيا من المفروض به أن يكون عملا رؤيويا خاصا، وذلك بحكم طبيعته الإملائية على المشاهد بخلاف الباحث الأكاديمي الذي يكتب في واقعة تاريخية ما، فيستعرض كل الوجهات ويضعها على معيار النقد والمساءلة، مستعينا بالأدلة والشواهد والقرائن ومتزودا بالتحليلات الموضوعية، مبتعدا ما أمكنه عن الآراء المسبقة ذات الطابع الشخصي. ومن ناحية ثانية، هو مسلسل يتناول للمرة الأولى، قصة جماعة محظورة سياسيا وقانونيا، منذ خمسينات القرن الماضي مع أنها تمارس أنشطتها الاجتماعية والثقافية والسياسية حتى اليوم. وهي تعد بنظر كثير من المراقبين النواة الصلبة للمعارضة المصرية وقطب رحاها شعبيا في مرحلة سياسية دقيقة. ومن المنطقي أن يعتبر أتباع الإخوان وأنصارهم، إنتاج هذا المسلسل وبثه في هذه الفترة بالذات، ليس بريئا من أهداف سياسية راهنة ومنظورة، بما يتجاوز القيمة الذاتية للمسلسل دراميا وحتى تاريخيا، حين تعرض على شاشات رمضان سيرة حياة شخصية دعوية نافذة كان لها أثرها الواضح عبر أحداث كبرى سابقة ولاحقة، في مصر وغيرها، مثل شخصية الداعية حسن البنا. بالطبع، ليس بإمكان كاتب المسلسل وحيد حامد، الإحاطة بكل أبعاد جماعة الاخوان وزعيمها البنا، من خلال مسلسل تلفزيوني يختزل المراحل بمشاهد مجتزأة وحوارات مقتبسة، كما أن حامد يهدف من هذه التوليفة الدرامية إثبات أمور معينة عن توجهات الجماعة ونوعية علاقاتها وتحالفاتها مع السلطة أو ضدها، بما يعني ذلك، من التركيز على نواحٍ وإهمال أخرى، وليس همه الأولوي بالتأكيد، الترويج لجماعة الإخوان، ولا التسويق لأفكارهم، بل تظهير أن الإخوان منذ نشأتهم، اعتمدوا على أساليب التنظيم الحديدي حيث الطاعة فيه على رأس الواجبات الملقاة على كل عضو في عنقه البيعة للمرشد العام، وعلى عدم التمييز بين الدين والسياسة في الممارسة والشعار.