أثار مسلسل «الجماعة» الذي بثته قنوات التلفزيون خلال شهر رمضان جدلا فى الصحافة المصرية قبل وأثناء وبعد عرضه، ليس كعمل درامي إنما لتلامسه مع السياسة باعتباره تناول مرحلة تأسيس جماعة الإخوان المسلمين، ودورها طوال أربعينيات القرن الماضي. وبشأنه انقسمت التعليقات حول الإجابة على سؤال: هل خدم المسلسل الجماعة أم أضر بها؟!. البعض رأى أنه ربما يكون قد خدمها عن غير قصد، أما خدمتها بقصد فأمر مستبعد بالنظر إلى أيديولوجية وقناعات المؤلف السينارست وحيد حامد، وهو واحد من أهم الحرفيين في مهنته. هي قضية مثلث الدراما والتاريخ والسياسة.. كل مفرد من مفردات هذه الثلاثية علم وموضوع منفصل قائم بذاته، ينظر إليه ويدرس بعيدا عن أخويه، فإن اختلطوا تتوسط الدراما العقد، ويكون لديك موضوعان لا ثلاثة، هما (الدراما والتاريخ) و(الدراما والسياسة). وإليك القاعدة التي تحكم علاقات هذا المثلث: إذا تناولت الدراما التاريخ كانت اليد العليا للدراما على الحقيقة التاريخية، وإذا داخلت السياسة الدراما كان للسياسة اليد العليا على الدراما. ما عاد أحد ينظر إلى عمل فني باعتباره الحقيقة أو الواقع الذي لا تداخله صنعة صناعه، لذلك فتوظيف الدراما لخدمة أيديولوجية المؤلف والسينارست ذو أثر محدود أو منعدم، بالطبع لا يستطيع المؤلف أن يعزل نفسه عن عمله، ولا بد أن تجد أفكاره وقناعاته طريقا إليه، وهذا شيء آخر عدا التوظيف الدعائي. ليس بوسع أحد معرفة الحدث التاريخي بتفاصيله وما أحاطه من ظروف بشكل كامل الصدق، يزداد ذلك صعوبة كلما باعدت السنون بيننا وبينه، حتى أكثر المصادر حيدة وقربا وتوثيقا لن تنقل لنا الأحداث بالموضوعية التى نتوخاها، هذا ونحن نتحدث عن التاريخ كعلم، فإذا انتقلنا به إلى الدراما أصبحت الحقيقة التاريخية مطلبا بعيد المنال.. بالتالي الأعمال الفنية لا تغير من أيديولوجية المتلقي، وقيمتها الدعائية جد محدودة، وهذا لا يعني أنها بلا قيمة على الإطلاق، ولا أتحدث هنا عن قيمتها الفنية، إنما كعمل محفز للتفكير وخادم للوعي. يخدم العمل الفني الوعي إذا استثار فضول المشاهد ذي الخلفية الثقافية المناسبة بما يدعوه إلى تقصي الحدث التاريخي لتكوين رأيه الخاص بشأنه، ذلك بالضبط ما يمكن أن يفعله أيضا مقال أو لوحة أو رواية، وكلما ازداد انتشار الأداة الفنية كانت أكفأ لأداء هذا الدور، والدراما التلفزيونية هي الأوسع انتشارا، إلا أنها كما قلت بلا كفاءة دعائية سواء مع أو ضد.. موضوع الإخوان كحركة سياسية مسألة أخرى لا تعنيني هنا، حديثي فقط عن المسلسل كعمل درامي دخلت الأيديولوجية والتاريخ في مكونات إنتاجه، وعن القيمة الدعائية لهذا النوع من الأعمال.