«ما وراء الصمت»، فيلم يُبيّن معاناة اللاجئات الفلسطينيات في لبنان في شكل مضاعف، فعدا عن كونهن لاجئات لا يحظين بحقوقهن المشروعة والاساسية كالتعليم والطبابة والعمل، تتعرض شريحة كبيرة من النساء في المخيمات الفلسطينية إلى الاضطهاد ومصادرة حقوق ومكتسبات مشروعة في مجتمع يتصف بالطابع الذكوري، من خلال سيطرة العادات والتقاليد الأبوية المتوارثة عليه، كتزويج الفتيات بالإكراه وتعرّضهن للضرب على أيدي أزواجهن أو آبائهن تحت حجج واهية أو حتى من دون مبرر. الفيلم كانت أعدته المنظمة الفلسطينية لحقوق الانسان «حقوق»، على مدار السنة الماضية، ويتضمن شهادات حيّة لنساء ضحايا العنف الأسري والتمييز بحسب الجنس والاستبعاد من المشاركة السياسية. وتروي إحداهنّ كيف بدأ زوجها يضربها بعد أيام معدودة من الزواج، اذ كان يوقظها من النوم ويوجه إليها اللكمات حتى تزرق عيناها، من دون أن تجد سبباً لهمجيته. الصمت حيال ما تتعرض له النساء لا يبدو مستغرباً، فالمرأة تعرف تبعات الاعتراض او تقديم شكوى، لأن مثل هذه الانتهاكات لا تقف عند هذا الحد. والمتضررات لا يستطعن الكلام أو تقديم شكوى ضد المعتدي سواء كان الزوج أم الوالد أم الأخ، لأن الحق دائماً يقع على الأنثى، وفي حال كانت متزوجة فالصمت يكون خوفاً من أن تتحوّل مطلقة، ومن ثم عالة على أسرتها فضلاً عن المجتمع الذي لا يرحم. ومن أكثر ما تتعرّض له المرأة من مأسوية التحرش الجنسي، وتقول رئيسة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في لبنان آمنة جبريل: «هذه القضايا تعالج على نطاق ضيق في حال عُلم بأمرها، ولا تحتمل حديثاً بين اثنين وإلاّ أصبحت فضيحة يترتب عليها نبذ وازدراء للضحية». وكان مؤتمر بعنوان: «البرامج النهوض الجندري وحقوق المرأة الفلسطينية في لبنان» عُقد أخيراً، وشاركت في جلساته مجموعة من المؤسسات النسوية والجمعيات العاملة في مجال الحقوق والبرامج والنشاطات المجتمعية داخل المخيمات. وناقش المؤتمر كل الأطر المتعلقة بقضايا حقوق اللاجئات الفلسطينيات، بدءاً بأوضاع مجتمع اللاجئين الفلسطينييين في لبنان من منظور النوع الاجتماعي، والرؤية الحقوقية لأوضاع اللاجئات مروراً بالحركة النسائية اللبنانية وقضايا اللاجئات الفلسطينيات. وتؤكد مديرة البرامج في منظمة «حقوق» رولا بدران أن لا إحصاءات دقيقة تعكس امتداد ظاهرة التحرّش والعنف ضد المرأة، لأن توثيق حالات العنف واضطهاد المرأة يحتاج إلى جهد وتعاون من كل المؤسسات المختصة، موضحة أن كتمان المرأة معاناتها وعدم البوح بمشاكلها يقف عائقاً أمام الوصول الى كشف تلك الحالات. وعن المشاركة السياسية، تقول بدران: «لا يوجد مكان لصوت النساء في الحياة السياسية والأطر القيادية حيث تتحالف السياسة مع ثقافة التمييز ضد مكانة المرأة في مجتمعها، فاللجان الشعبية التي تتولى إدارة المخميات، تستعين بالمرأة للقيام ببعض الاعمال المكتبية أو الخدماتية، من دون أن تحجز لها مقعداً بين الأعضاء الرجال لإفساح المجال لها بالمشاركة في القرار السياسي». وتضيف: «كذلك الأمر بالنسبة إلى معظم الفصائل الفلسطينية. والتمييز لا يقف عند هذا الحد بل يطاول ذوي الحاجات الخاصة، حيث لوحظ تفاوت بالاهتمام وتقديم الرعاية الانسانية». وفي سعي «حقوق» لنشر الوعي في اواسط اللاجئين، ولا سيما اللاجئات منهم، تشير بدران الى أن المنظمة أقامت ورش تدريب مكثفة استفادت منها نحو 400 لاجئة في مخيمات لبنان في السنوات الثلاثة الاخيرة. وتوضح أن المنظمة أنتجت 12 فيديو قصيراً (مدة الواحد 3 إلى 5 دقائق) تعالج مواضيع مختلفة تعكس وضع اللاجئات الفلسطينيات في لبنان كالصحة الإنجابية، الصحة النفسية، التعليم، التنقل، العمل، التملك، الإرث للنساء، الزواج المبكر... مشددةً على أن وعي المرأة الفلسطينية بحقوقها أساسي لإحداث تغيير جذري في واقعها. وتوضح منار زعيتر من التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني ان المرأة الفلسطينية تعاني في مواجهة تحديات مضاعفة أولاً كونها إمرأة وكونها لاجئة في بلد يكرس الثقافة الذكورية والتمييز على أساس الجنس كما ويكرس ثقافة ظلم اللاجئ وحرمانه من أبسط الحقوق. وتشدد على ضرورة التحالف، وليس التعاون فقط والتنسيق بين المؤسسات الفلسطينية، بل مع المنظمات اللبنانية المؤيدة للشأن الفلسطيني، وحشد المناصرين لقضايا اللاجئين والمرأة خصوصاً، مشيرة إلى مشروع قانون في البرلمان اللبناني قيد الدراسة لتجريم العنف الأسري ومن ضمنه العنف ضد المرأة سيدعم تشجيع المرأة على اللجوء الى القضاء.