كشف وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي أن محادثاته مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس شملت علاقات الجزائر بالمغرب وملف الحدود البرية المغلقة بين البلدين. لكن فابيوس الذي يزور الجزائر، نفى أن تكون باريس تتوسط ل «تطبيع» العلاقات بين الجارين المغاربيين، وقال: «إننا لا نفرض شيئاً على بلدين صديقين لفرنسا، لكن إن طُلب منا ذلك فلن نتخلف عنه». وحاول وزيرا خارجية الجزائروفرنسا، في أول زيارة لفابيوس لبلد عربي منذ توليه ملف الديبلوماسية عقب انتخاب فرنسوا هولاند رئيساً، التهوين من قراءات تصوّر علاقات الجزائر بباريس بأنها محل «خلافات» سواء تعلق الأمر بملف «الذاكرة» الاستعمارية أو «السياسة الخارجية». وأكد الوزيران توافقهما بخصوص السياسات المقترحة في شمال مالي الذي يسيطر إليه إسلاميون بما في ذلك «ضرورة تشكيل حكومة موسعة وضمان الأمن». وقال مراد مدلسي في هذا الشأن إن «الجزائر لا تُقصي أي حل بما في ذلك الحل العسكري، لكن بناء على معطيات المرحلة الراهنة فإن استعمال القوة لا يُعتبر حالياً الحل الأمثل، فالحل السياسي والحوار هما اللذان يجب أن يسودا». وفي أثناء عرض مدلسي وفابيوس، في مؤتمر إعلامي عُقد ليل أول من أمس، لطبيعة الحوارات التي جمعتهما، ذكر وزير الخارجية الجزائري أن ملف «علاقات الجزائر بالمغرب والوحدة المغاربية» كان محوراً من محاور النقاشات. فسئل الوزيران إن كانت باريس تشتغل على تأدية وساطة ل «تطبيع العلاقات» بين الجارين، فأجاب فابيوس: «فرنسا مرتاحة جداً لكل ما من شأنه تلطيف العلاقات بين الجزائر والمغرب». وتابع: «إننا نتابع باهتمام بالغ ما يقومان به لأنهما دولتان كبيرتان وصديقتان لفرنسا وهذا من مصلحة المنطقة وشعوبها». وختم: «إذا طلب منا أصدقاؤنا في الجزائر والمغرب أن نفعل شيئاً فسنكون حاضرين، لكننا لا نفرض أي أمر عليهما». أما مراد مدلسي فقال إن علاقات بلاده بالمغرب «تزداد كثافة». وأضاف: «يمكننا اليوم أن نقول إن العلاقة بين الجزائر والمغرب هي علاقة تتسم بالهدوء وتُصاغ على أسس جديدة بما فيها مسألة الحدود التي لم تعد موضوعاً من المحرّمات (تابو)». وبخصوص الصحراء الغربية أوضح الوزير الجزائري أن هذه القضية تبقى «من مسؤولية الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الخاص والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بخاصة فرنسا». وقال إن النزاع الصحراوي ليس سبباً معطلاً للوحدة المغاربية «لأنه لما تأسس اتحاد المغرب العربي (عام 1989) كانت هذه القضية موجودة ولم تمنع تشكيل الاتحاد». وأضاف: «كانت هناك مشاكل عطلت نوعاً ما الوحدة، أولها اقتصادية. فالمغرب وتونس بدأتا مبكراً الاقتصاد الحر ونحن كنا في اقتصاد شبه اشتراكي. كما أن حادثة مراكش أدت إلى اتخاذ قرارات زادت من التعطيل»، في إشارة إلى اتهام المغرب للجزائر بتدبير حادثة هجوم على فندق أطلس آسني في مراكش عام 1994، ما دفع بالمغرب إلى فرض نظام تأشيرة على الجزائريين، وردّت الجزائر بقرار مماثل أُضيف إليه قرار غلق الحدود البرية. وكان واضحاً من زيارة فابيوس للجزائر أن الطرفين حاولا الابتعاد عن الخوض كثيراً في مسألة «الذاكرة» المرتبطة بالاستعمار الفرنسي وممارساته ضد الجزائريين. ومع ذلك فقد تحدث مدلسي عن الملف قائلاً إن «مسألة الذاكرة التي تعتبر حاضرة ليس في أذهان المسؤولين فحسب بل وأيضاً في أذهان المواطنين، لا يمكن نسيانها». وأضاف: «نود اليوم أن نؤمن أن ثمة روحاً أخذت تتبلور وستسمح لنا بمعالجة مسألة الذاكرة بطريقة أكثر ذكاء»، مؤكداً أنه لا يمكن أحداً أن يقرر «نسيان» هذه الذاكرة. من جهته، أعرب فابيوس عن الإرادة «في معالجة الماضي بكل موضوعية وبتبصر من دون أخفاء أي شيء»، قائلاً: «كانت لنا محن قاسية وماض مشترك وحاضر يقربنا اليوم ومستقبل يجب أن نشيده معاً». وأعلن مدلسي، في غضون ذلك، أن ثلاثة ديبلوماسيين جزائريين من بين الديبلوماسيين السبعة الذين اختطفوا في نيسان (أبريل) في غاو (مالي)، قد أُطلق سراحهم وهم موجودون حالياً في الجزائر. غير أنه لم يدل بأي معلومات أخرى بخصوص الأربعة الآخرين ل «أسباب تتعلق بأمنهم». وأكد مدلسي أن «الحل العسكري في مالي لا يُعتبر حالياً الحل الأمثل فالحل السياسي والحوار هما اللذان يجب أن يسودا». ورد فابيوس أن كثيراً من القراءات قدمت أموراً غير صحيحة بخصوص نظرة البلدين للحل في مالي، وذكر: «نحن متفقون تماماً، لا سيما أن هناك تهديداً من الإرهاب في منطقة الساحل من خلال انتشار جماعات مسلحة ذات صلة بالشبكات الإرهابية وبالمتاجرة بالمخدرات... هذا يشكل تهديداً بالنسبة إلى السكان المحليين والمنطقة والعالم بأسره».