الأحد 8/7/2012: وطن بين مكانين تتفقدني مرة في الأسبوع أو مرتين، ويلهج صوتك بالقلق عليّ كلما سمعت تصريحاً لزعيم لبناني يهدد زعيماً آخر. انهم يهددون ليدفع المواطنون الثمن من أرواحهم. لو كنت معي في الباص أو في التاكسي - سرفيس لسمعت شكاوى الناس، وقبل السماع وأهم منه، أن ترى وجوههم ومعاني العيون، ثمة مزيج من اليأس والأمل، من إصرار عجائبي على العيش في هذا الممر الجبلي حيث تعبر جيوش بسلاحها وصراخها وأموالها، ويخلف العابرون بعضاً منهم قبل أن يغادروا، راجع أسماء العائلات. تتفقدني وتستغرب قدرتي على البقاء في مكان هو وطني ووطنك. قلت إن لبنان فكرة وليس حيزاً جغرافياً، وقد حملت الفكرة في جيبك، في عقلك، في وجدنك إلى حيث أنت. لكنني لا أقوى على تبديل الجغرافيا بجغرافيا أخرى. ولا أكون وقحاً إذا قلت إنني أشغل يومي بتعقب أخبار الجريمة والفساد، وأقرأ ما يشبه الكوميديا في تصريحات الزعماء المتصارعين، لا بد من شاهد عدل يستمع ويضحك ساخراً ليعرفوا أن السخرية في محلها، هؤلاء يريدون أن نصدقهم لكنهم، بالتأكيد، لا يصدقون أنفسهم. وفي وطأة تراتبية السلطات لا بد من علاقات عامة، نصف وقتك أو أكثر تكرسه لهذه العلاقات، لمجرد أن تأمن في تنقلاتك وأن لا يعتدي عليك الأقوياء علناً في وضح النهار. علاقات عامة تبعدك عن النقاش السياسي ليبقى وجدانك صافياً في هذا الاعتكار الذي يعم المجتمع، ولنقل المجتمعات. الوجدان الصافي هو ما يبقي على الرابط بيني، أنا المقيم، وبينك، أنت المهاجر. وأشعر هنا أنك تعتبرني حالة نادرة بين الأصدقاء. تستطيع أن تتكلم كما شئت على مسمعي عبر الهاتف أو عبر الإنترنت. وربما تتطرف فتشتم بلا حرج شخصيات يقدسها أتباعها. تعرف أن الوجدان الصافي هو ما يبقي على صداقتنا، وما يشعرك بالثقة في كلامي. تتفقدني مرة في الأسبوع أو مرتين، لنمارس لعبة الإقامة والهجرة التي مارسها أجدادنا في القرن التاسع عشر. لعبة المواطنة الفريدة حيث الإنسان جزء من الضحايا الصامتين، ينتجون لبنانهم في خدمة أجيال آتية ستنتمي، على الأرجح، إلى هذا اللبنان المختلف، لكن، الحقيقي. الاثنين 9/7/2012: المخزن المغربي سألت محمد برادة عن نوع الربيع الذي يعيشه المغرب بوجود حزب العدالة والتنمية الإسلامي في رئاسة الحكومة. أحالني الروائي برادة على «المخزن» المغربي كاشفاً نقصاً في ثقافتي، أنا المشرقي، لأن «المخزن» حاضر في السياسة والاقتصاد في المغرب منذ القرن الثامن عشر، وكانت أطروحة عبدالله العروي الأولى من ضمن مفهوم المخزن. والعلماء والحركة الوطنية. المخزن لغة هو المستودع، لكنه يتصل في المغرب بالضرائب التي كانت تجمع في مخازن السلطان، ويشير المخزن أيضاً إلى الدولة القائمة بمؤسساتها وأشخاصها، من رأس السلطة إلى الموظف الصغير. ووصل المصطلح إلى اللغات الأوروبية فاستخدمت كلمة magazine لمستودعات الذخيرة، ثم أطلقت على المحال الكبرى كما أطلقت على المجلة. وبقي «المخزن» في المغرب إلى يومنا دالاً على إدارة الدولة الحاكمة بمن في ذلك رجال الأمن. وعلى رغم اعتبار دارسين كثيرين «المخزن» مفهوماً قديماً حان وقت تجديده، فإن الغالبية تعتبر المخزن عامل استقرار كونه يرتبط بثقافة المجتمع ويحفظ إلى حد بعيد الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي. وليست بعيدة عن المخزن تلك الطقوس المغربية مثل تقبيل اليد وتقديم الهدايا. لكن الملك الراحل الحسن الثاني دعم المخزن مجدِداً سطوته وقوته، وإن عبر واجهة ديموقراطية، مجرد واجهة. الربيع العربي في المغرب أعطى الإسلاميين رئاسة الحكومة، لكن القوة لا زالت في المخزن الذي يقوده الملك، وما تحقق هو تنازلات شكلية دستورية لرئيس الحكومة لا تأخذ مراكز القوة من يد الملك. تبين للإسلاميين أن القرارات الاقتصادية ليست في يدهم لأنها عماد «المخزن» وأدركوا صعوبة تعديل الدستور لضرب هيكل «المخزن»، وفشلت خططهم حين نشروا لوائح بالمستفيدين من عطايا المخزن ولم يكملوا النشر لسبب ما، فلم يبق لهم سوى العناية بالأخلاقيات: خاضوا معركة الأذان في التلفزيون فنجحوا جزئياً لأن قناة 2M رفضت الالتزام. وشددوا على ضرورة رقابات أخلاقية على عروض فنية، لكن المعركة لم تحسم لمصلحتهم في هذا المجال. «المخزن» المغربي يواكب التطور من دون أن يفقد جذوره. انه هيئة الدولة الضابطة التي تمزج بين عمل الخير ومقتضيات الوظيفة العامة، مزيج ليس له مثيل في عالمنا. الثلثاء 10/7/2012: ثقافة وثورة يجتمع المثقفون المصريون ويعرضون حالهم بعد الثورة: حرق مكتبة في مدينة المنصورة، دعاوى على عادل إمام ونوال السعداوي وآخرين، أسرة خالد محمد خالد ترفض إعادة نشر كتابه «من هنا نبدأ». أيكون الكتاب ملك الأسرة أم دار النشر أم عامة الناس بعد مرور 50 عاماً على صدوره؟ لا جديد في الأحوال لأن دعاوى الحسبة كانت تقام في عهد حسني مبارك، فلا ننسى الدعاوى ضد كتاب «ألف ليلة وليلة» وديوان أبي نؤاس وكتب ابن عربي، والتواطؤ على منع رواية «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ ما يزيد على 40 سنة. الجديد في حال المثقفين المصريين بعد الثورة هو انكشاف رؤوسهم بعدما رفعت الدولة الغطاء عنهم، فتمويل النتاج الثقافي والفني سيتضاءل في العهد الجديد إن لم يتم إلغاؤه. المثقفون وحدهم أمام القارئ والمتلقي، ونتاجهم سلعة إما أن يقبلها المجتمع أو يعرض عنها. وربما لجأت مؤسسات القطاع الخاص الثقافية إلى تبرعات معلنة وموثقة عن مشجعي الإنتاج الأدبي والفني، كما هي الحال في بريطانيا والولايات المتحدة، وكما كانت الحال في مصر خلال عهدها الليبرالي الذي سبق ثورة 23 تموز (يوليو) 1952. عهد جديد يحمل صعوبات لكنه يقدم أيضاً فرصة جديدة للمثقف المصري بعيداً من عطايا الدولة وقيودها المنظورة. الأربعاء 11/7/2012: أمين المهدي فيما يتهيأ أمين المهدي لإصدار كتابه «الثورة المصرية بين القلعة والمعبد»، أصدر المثقف المصري كتابه «العرب ضد العالم - الإيديولوجيات الشمولية واللاهوت العربي الإسلامي» عن «العربية للنشر» في مصر. [email protected]. يعتبر المؤلف كتابه محاولة حداثية، بمعنى لحظة حاضر تطمح إلى لحظة معرفية ومستقبلية تدير ظهرها لكل الثوابت الاستعبادية وتقاليد الخوف التي تحنط الماضي، ومن ثم تعيد الاعتبار للفرد كفاعل اجتماعي حر عادل ومنفتح». يسلط المؤلف الضوء على وثيقة أصدرتها في أنقرة لجنة تضم 80 من علماء الدين مع عدد من المستشارين، تضم مراجعة للأحاديث النبوية. يرأس اللجنة نائب وزير الشؤون الدينية محمد غورميز، وقد تحفظت الوثيقة الصادرة عام 2011 عن حوالى 1700 حديث «لمخالفتها المنطق أو العقل أو القرآن، أو لكونها صحيحة لكنها تخالف العصر». ويرى أمين المهدي «دروساً ثمينة ونادرة قدمها حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي، وهي: أولاً: لا يمكن للقوى الدينية المستنيرة والإصلاحية أن تعمل في ظل دولة دينية. ثانياً: إن التزمت والتطرف الديني هو ظاهرة عربية، هذا إذا أضفنا التجربة الماليزية والإندونيسية والهندية والألبانية والبوسنة والهرسك إلى التجربة التركية. ثالثاً: إن الميول القومية العربية هي التي انحرفت بالإسلام الاجتماعي أو إسلام الناس عن مساره وحولته الى أيديولوجيا سلطوية امبراطورية معادية للتقدم والمساواة والسلام. رابعاً: إن الدولة المدنية والعلمانية هي الضمانة الوحيدة للحريات الدينية ولمكافحة الاستبداد الديني والجمود والتخلف والقبح. خامساً: انه من وجهة نظر إسلامية علمية رفيعة المستوى في دولة يغلب عليها سنية وحنفية المذهب (مثل العديد من المصريين السنة) تبين أن الإيديولوجية السنية يمكن التعديل والحذف طبقاً للعقل والمنطق في كل أسسها، وأهمها الحديث، وانه لا يحيط بهذه الأسس أية قداسة أو تحريم، وإنما هي صنمية الإكليروس والاحتراف الديني المربح في أحضان طغاة الشرق وفاشييه ونفوذ القوى اليمينية الدولية شبه الاستعماري». ويضيف المؤلف: «مثلما فعل الكهنوت دائماً من أجل إنتاج لاهوت السلطة جاء اللاهوت الإسلامي أو بمعنى أدق «اللاهوت العربي» مستعملاً كل الوسائل والتخريجات العقلية واللغوية البشرية الممكنة متكئاً على الدين الرسالي أو الاجتماعي لإضفاء ما هو فوق بشري على خطاب سلطوي، وينتهي الأمر بنتيجة محتمة هي القضاء على ما هو اجتماعي ورسالي في الدين بتحويله إلى حيز الليتورجية (الشعائرية) التخديرية، ويبقى فقط اللاهوت كمبرر للاستبداد والاستغلال وحصار العقل والاعتداء على الحريات وكرامة البشر. هكذا انكشفت السلطة الكنسية في القرون الوسطى المظلمة، وهكذا هي الأيديولوجيا العربية الإسلامية في قرونها المظلمة الحالية. وستظل قيم مغامرة التنوير الكبرى في أوروبا هي وسيلة كشف لاهوت السلطة في كل مكان وزمان».