بات جلياً تماماً أن مصر ما بعد إنجاز انتخابات الرئاسة التي أحرزتها ثورة 25 يناير تتجه بخطى ثابتة نحو دولة مدنية على حساب العسكرية، لكنها غارقة في الدينية على حساب الليبرالية. هذا الشكل الجديد للدولة أيقظ كثيرين من الشباب من سبات عميق. البعض كان قد غرق في سبات الجمود السياسي الذي ضرب مصر طيلة عقود، والبعض اختار أن ينخرط في نوم عميق لعدم وجود شيء أفضل يمكن عمله، في حين وجد بعضهم نفسه مجبراً على السبات لأن اليقظة لن تسفر إلا عن وجع قلب. لكن صخب المرحلة الانتقالية كان كفيلاً بإيقاظ الجميع، من كان مستمتعاً بسباته، ومن كان مضطراً، ومن نزل الميدان في 25 يناير ومن اعتبرها هوجة إلى زوال، من عشقها ومن كرهها. ومن لم يستيقظ طيلة 16 شهراً مضت، استيقظ هذه الأيام. منهم من كادت مفاجأة فوز جماعة «الإخوان المسلمين» بحكم مصر تذهب بعقله لأنه نشأ على حلم الخلافة الإسلامية، ومنهم من كادت الصدمة تقضي عليه لإيمانه بأن إقحام الدين في السياسة كفيل بوضع كلمة النهاية أمام حلم التقدم والنهضة. وكما نهض طارق وسلمى من غفلة تربية العضلات وتفاهة استعراض الأزياء، نهض كثيرون أيضاً من شباب مصر وشاباتها إما ترسيخاً لحكم جماعة «الإخوان المسلمين»، وربما من بعدها الجماعات الدينية الأصولية، أو للتجهيز لمرحلة ما بعد مرسي! تنحي الرئيس مبادرات شبابية مجتمعية إخوانية عدة تفجرت خلال الأيام القليلة الماضية، وهي المبادرات التي لم يسمع عنها أحد طيلة الفترة الانتقالية التي شاعت فيها الفوضى وانتشرت خلالها البلطجة، وهي أيضاً مبادرات تذكر المصريين بتلك التي أطلقها شباب الثورة عقب انتهاء فعالياتها طيلة 18 يوماً والتي تكللت بتنحي الرئيس السابق. الرئيس السابق الذي قال منذراً قبل تنحيه: «لو غادرت سيأتي الإخوان» ترك شباب مصر صفين: إخوان وغير إخوان! شباب الإخوان مبتهجون هذه الأيام بفوز مرشح جماعتهم، ومعهم شباب الجماعات الدينية السلفية التي تعتبر وصول جماعة دينية – حتى وإن كانت خارجها - إلى الحكم بداية غيث الحكم الإسلامي. لكن، جمعت بين الصفين معارضة شديدة للنظام السابق، وفرحة غامرة لسقوطه، ورغبة حقيقية في بناء مصر جديدة؛ ولكن، كل بطريقته الخاصة. الأسبوع الماضي شهد مبادرة من قبل شباب وشابات من جماعة «الإخوان المسلمين» للترحيب بالسياح في المتحف المصري في ميدان التحرير. حركة السياحة التي تقهقرت وتوجعت وتأوهت وتلوّت وتقطعت وتوصلت، ومعها قطاع عريض قوامه 3.8 مليون عامل طيلة 16 شهراً مضت، لم تجد من يمد إليها يد العون إلا بعد وصول الدكتور محمد مرسي إلى سدة الحكم. الشباب والشابات وزعوا الهدايا، واستقدم عرض «التنورة»، فوقف السياح يشاهدونه على مرمى حجر من «ميدان التحرير» الذي بات «ملتحياً» وخيامه لا تحوي سوى الرجال المطالبين إما بإطلاق اللحى لضباط الشرطة، أو «إلغاء الإعلان الدستوري المكمل» ليكون للرئيس الجديد سلطات مطلقة كتلك التي كان يتمتع بها الرئيس السابق، أو لعودة مجلس الشعب (البرلمان) المنحل رغم أنف حكم المحكمة الدستورية العليا، وهو البرلمان الذي اعتبر تقنين زواج الفتيات الى سن ال12 سنة، ومنع تجريم ختان الفتيات، وإلغاء قانون الخلع من ضرورات نهضة مصر، ناهيك بالصوت البرلماني المطالب بعدم تدريس اللغة الإنكليزية في المدارس، والأنف البرلماني المجمل طواعية والذي تحول إلى مكسور بفعل البلطجية، والوضع المخل بالآداب الذي افتضح أمره على طريق القاهرة – الإسكندرية الزراعي. وأظهر شباب الإخوان روح مبادرة حقيقية لخدمة المجتمع، وذلك بعدما فاز الدكتور مرسي بالرئاسة، فيقومون حالياً بحملات نظافة باستخدام معدات ثقيلة وجهود المئات منهم في عدد من المحافظات المصرية. إخوان وغير إخوان وعلى رغم تساؤل الخبثاء حول سر سكوت هذا الشباب الوطني الواعد عن القيام بمثل تلك المبادرات العظيمة التي تعطش إليها المصريون طيلة الشهور الماضية بعدما حاصرتهم أطنان القمامة لدرجة أعاقت حركة مرور السيارات، يعرف الجميع أن شباب الإخوان جزء لا يتجزأ من شباب مصر، وأن المصلحة ستعود على الجميع، إخوان وغير إخوان. الشباب والشابات الذين تيقنوا من أن ضلوعهم في عملية تقرير مصيرهم ومصير الوطن بات ضرورة وجدوا أنفسهم ضمن «التيار الثالث». فلا هم منتمون لجماعة «الإخوان المسلمين» او غيرها من الجماعات الدينية، وحتى أولئك الذين انتخبوا الدكتور محمد مرسي في جولة الإعادة فعلوا ذلك درءاً لقدوم الفريق أحمد شفيق، ولا هم مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في الصراع الخفي مع القوى الدينية، لكنهم شباب أرادوا لمصرهم الجديدة أن تكون دولة مدنية قائمة على العدل والحرية والديموقراطية. البعض يكتفي عبر أحاديثه، سواء على شاطئ البحر أم على المقهى أم في الفضاء الإلكتروني، بأن يكون معبراً عن انتمائه الفكري لهذا التيار، لكن آخرين يعدون العدة للانتماء فعلياً إلى هذا التيار المشكل حديثاً. قوى وأحزاب وشخصيات ليبرالية ويسارية أيقنت أخيراً أن توالد الأحزاب الصغيرة وتفتت الجهود ين ائتلافات وأجنحة وحركات لم ينتج عنهما سوى بزوغ نجم الإسلام السياسي المعروف بتنظيمة وتوحد موقفه (حتى الآن). وعلى رغم أن هذا التيار ما زال في طور الولادة، يلقى اهتماماً كبيراً من شباب مصري أشعل ثورة وأنجزها، ثم أزيح جانباً ليتمكن الركاب الجدد من قيادتها، لكنه يركض الآن رافعاً شعار «العبرة بالخواتيم».