أحدث قرار القضاء العسكري اللبناني بإخلاء سبيل ثلاثة ضباط وثمانية عسكريين في قضية مقتل الشيخين أحمد عبدالواحد ومحمد حسين مرعب في بلدة الكويخات في عكار ردود فعل غاضبة لدى الأهالي في بلدات عكارية فتجمعوا في ساحات وقطعوا طرق وأحرقوا الإطارات، وسجلت التقارير الأمنية ظهور مسلحين قدر عددهم بالعشرات خلافاً لمبالغة بعض وسائل الإعلام في تصوير المشهد، كما قالت مصادر في لجنة المتابعة العكارية، وكأن الانتشار المسلح عم الكثير من البلدات. وقالت المصادر ل «الحياة» إن جميع المعنيين بمتابعة قضية مقتل الشيخين عبدالواحد ومرعب أمام القضاء العسكري فوجئوا بصدور هذا القرار عن القضاء العسكري وبالتوقيت الذي اعتمد لإخلاء سبيلهم من دون أن تبادر السلطات المختصة إلى إبلاغ هيئة الدفاع عن الشيخين بأمر الإفراج عنهم، بحسب الاتفاق المعقود بين القاضي صقر صقر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية ورئيس الهيئة عضو المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى المحامي محمد المراد. وكشفت المصادر نفسها أن التواصل بين القاضي صقر والمراد لم ينقطع لمواكبة قضية مقتل الشيخين وأن الأخير تمنى على الأول أن يحيطه علماً بأي تطور يتعلق بمحاكمة المتهمين في اغتيالهما ليكون في مقدور المعنيين في عدد من البلدات العكارية التحرك لتطويق أي رد فعل يمكن أن يدفع في اتجاه فلتان الوضع، فيما المطلوب العمل لضبط الأرض على خلفية الحفاظ على المؤسسة العسكرية وعدم التفريط بدم الشيخين. ولفتت إلى أن هيئة الدفاع تبلغت من القضاء العسكري، وبعد قراره إخلاء 3 ضباط و8 عسكريين، انه لم يعد في وسعه الإبقاء عليهم موقوفين بذريعة أن القضاء لا يحتمل استمرار توقيفهم رهن التحقيق، ما فسرته هيئة الدفاع على ان ضغوطاً مورست لاخلائهم. واعتبرت أن إخلاء سبيلهم احدث ردود فعل غاضبة، وكان يمكن تأجيل القرار إلى حين السيطرة على الوضع، خصوصاً أن الموقوفين ليسوا مسجونين وإنما فرضت عليهم البقاء في مراكز عسكرية. وسألت عن الجهة المستفيدة من اتباع سياسة ازدواجية المعايير في إصدار بعض القرارات. وعن الأسباب الكامنة وراء إحراج من سارع في الدعوة إلى ضبط الوضع والحفاظ على دور المؤسسة العسكرية فور مقتل الشيخين. كما سألت المصادر عن خلفية إصدار قرار الإخلاء في هذا التوقيت بالذات بدلاً من تمديد الإبقاء عليهم في المراكز العسكرية وعن الجهة التي ما زالت تخطط لضرب الاعتدال في عكار الذي يرعاه ويحافظ عليه تيار «المستقبل» بزعامة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري. ورأت المصادر أن من يريد الحفاظ على خط الاعتدال وتعميمه لا يبادر إلى اتخاذ قرار غير مدروس يمكن أن يخدم المجموعات المتشددة في الشمال أو في المناطق اللبنانية الأخرى. وقالت إن المسؤولية تقع، أولاً وأخيراً، على عاتق من قرر إخلاء سبيلهم في هذا الظرف بالذات فيما الجهود مستمرة لتنفيس أجواء الاحتقان. معايير مزدوجة وحملت المصادر الدولة اللبنانية ممثلة بالحكومة مسؤولية اللعب بالأمن والإصرار على اتباع معايير مزدوجة في تعاملها مع الإشكالات الطارئة. وقالت إن الكرة الآن في مرمى الحكومة وليست في مرمى من يبذل الجهود لوأد الفتنة، وبالتالي من غير الجائز الطلب من فاعليات عكار أن تقوم مقام الحكومة الغائبة التي تشرع الأبواب أمام المحاولات الرامية إلى تفريغ مؤسسات الدولة وتجويفها وكأن لا دور لها سوى التشجيع على تآكل مشروع الدولة ومحاصرة من يدعو إلى الاعتدال في مواجهة التشدد الذي يبدو أن من يدعو إليه يستفيد من الهفوات التي يسقط فيها بعض كبار المسؤولين. وشددت على ضرورة إحالة قضية مقتل الشيخين على المجلس العدلي، مشيرة إلى عجز الدولة عن مواجهة الأزمات، أكانت مفتعلة أو منظمة واستمرارها في اتباع سياسة الهروب إلى الأمام بدلاً من حزم أمرها وعدم التمييز بين فريق وآخر، ومؤكدة أن جهات رسمية تراهن على وضع القوى الأمنية في مواجهة مع أهلها. وتابعت أن تهدئة النفوس في عكار لا تكون بإصدار مواقف خطابية بلا مضمون سياسي تارة وأخرى بتحميل الفريق المصاب جراء مقتل الشيخين مسؤولية ضبط الوضع فيما بعضها لم يتوقف عن توجيه التهم إلى «المستقبل» لإضعافه لمصلحة المجموعات المتشددة... واستغربت المصادر قول وزير العدل شكيب قرطباوي لدى مراجعته في شأن إحالة مقتل الشيخين على المجلس العدلي، بأن إحالتها تعني أن الدولة، ومن خلال الأجهزة الأمنية، متهمة بالتحريض وبتهديد الأمن الوطني وهذا غير جائز. وقالت إن هيئة الدفاع عن قضية الشيخين تلتقي اليوم في فندق «كواليتي أن» في طرابلس للتداول في خلفية إخلاء سبيل الضباط والعسكريين تمهيداً لإعداد مطالعة قانونية ترد فيها بالتفاصيل على قرار القضاء العسكري وتبني الحيثيات التي كانت وراء التسرع في إصدار قرار بهذا الحجم يتعلق بالسلم الأهلي وحمايته لا سيما في عكار في وجه من يراهن على قدرته في إحداث فوضى منظمة في الساحة السنية لاستهداف مرجعية الحريري. وأدى قطع الطريق في منطقة المحمرة في الاتجاهين الى عزل عكار بالكامل عن بقية المناطق. وشهدت المنطقة زحمة سير خانقة ما اضطر العابرين الى اللجوء الى طرق فرعية للوصول الى منازلهم. وشوهدت ارتال الشاحنات المتوقفة امام مرفأ العبدة، وسط دعوات الى «الاقتصاص من القتلة». واجرى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اتصالات مع المعنيين. وجدد في تصريح له «دعوة أبناء عكار الى الهدوء ومنع اي محاولة لاستغلال الوضع للنيل مجدداً من المنطقة الغالية علينا جميعاً». وكان ميقاتي اتصل بوزير العدل شكيب قرطباوي وطلب منه درس إمكان إحالة ملف قضية مقتل الشيخين على المجلس العدلي، تمهيداً لوضع الملف على جدول أعمال مجلس الوزراء. وعقد اجتماع في مسجد البيرة أكد خلاله النائب خالد الضاهر أن «قوى 14 آذار كانت حذرت من مغبة تمييع قضية الشخين»، مذكراً بمطلب إحالة القضية على المجلس العدلي، مشيراً الى أن «سلاح الميليشيات وحزب الله لن يكون له هيمنة على المناطق السنية»، ومعتبراً أن «المحكمة العسكرية تقوم بأمور لا تمت الى العدالة بصلة». وقال ان قرار اطلاق الموقوفين «صدر نتيجة ضغوط على المحكمة العسكرية التي ليست مؤهلة للنظر في هذه القضية»، معتبراً أن الغاية «ضرب الاستقرار في لبنان».