بعد تحالف انتخابي قوي فرضته معطيات جولة الحسم في الانتخابات الرئاسية التي خاضها مرشح «الإخوان المسلمين» محمد مرسي في مواجهة المرشح المحسوب على نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك الفريق أحمد شفيق، تشير الأيام الأولى لرئاسة مرسي إلى أن علاقته بأنصاره من التيار السلفي تتجه نحو أزمة، خصوصاً في ظل رفضهم الخطوات التطمينية التي اتخذها، وأهمها تعهده الحفاظ على مدنية الدولة وتعيين امرأة وقبطي نائبين للرئيس. وكانت علاقة جماعة «الإخوان» التي ينتمي إليها مرسي بالتيار السلفي مرت بمنعطفات، إذ كان الصدام عنوانها الرئيس خلال الانتخابات البرلمانية والجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية التي اختار فيها السلفيون دعم الإسلامي المعتدل عبدالمنعم أبو الفتوح، قبل أن يتحول الأمر إلى تحالف ووفاق في جولة الإعادة التي خاضها مرسي في مواجهة شفيق. وعلى رغم الوعود التي قطعها مرسي خلال حملته الانتخابية على نفسه ب «تطبيق الشريعة الإسلامية» وتعيين نواب له من السلفيين، سعى الرئيس الجديد في خطاباته الثلاثة التي أطل بها على الرأي العام إلى طمأنة المنادين بمدنية الدولة على حساب المطالبين بتطبيق الشريعة لاحتواء المخاوف من حكمه، ما ينذر بقرب عودة المواجهة بين الطرفين. وسعى الرئيس الجديد في خطابه الذي ألقاه في ميدان التحرير قبل أيام إلى مغازلة التيار السلفي على نحو لافت بتبني قضية الأب الروحي ل «الجماعة الإسلامية» المحبوس في الولاياتالمتحدة بتهمة التخطيط لتفجيرات عمر عبدالرحمن، من دون أن يدري أن ذلك سيفتح الباب لانتقاده في الداخل والخارج، ما دعاه إلى التراجع عن تعهداته عندما أكد الناطق باسم الرئاسة ياسر علي أن حديث مرسي عن عبدالرحمن «كان من منطلق إنساني» وأن الرئيس يحترم أحكام القضاء. كذلك يمثل حديث رموز التيار السلفي الدائم عن تطبيق الشريعة ورفضهم الواضح للنص في الدستور الجديد على «مدنية الدولة» تحدياً لمرسي، كما أن انسحاب جماعة «الإخوان» من الاعتصام في ميدان التحرير عرض مرسي إلى انتقادات لاذعة من جانب السلفيين الذين احتشدوا في الميدان للاحتفال بنجاح أول رئيس إسلامي، ودفع منتسبين إلى حزب «التحرير الإسلامي» الأكثر تشدداً إلى إصدار بيان، انتقدوا فيه الرئيس على نحو مباشر، خصوصاً تصريحاته التي نادى فيها بتأسيس دولة مدنية ديموقراطية حديثة. وأصدر ياسر برهامي نائب رئيس جماعة «الدعوة السلفية»، وهي أبرز الحركات السلفية تنظيماً، «فتوى» تٌفيد بعدم جواز إسناد منصب نائب الرئيس إلى قبطي أو امرأة، في رفض واضح لتعهدات مرسي. ورأى برهامي أن «منصب نائب الرئيس ولاية أكيدة، خصوصاً مع وجود الصلاحيات، فلا يجوز توليه هذا المنصب الذي يقوم صاحبه مقام رئيس الدولة عند غيابه لأي سبب لغير مسلم أو امرأة، وإنما يمكن أن يكونوا مستشارين». وجاءت «فتوى» برهامي في وقت تلوح في الأفق أزمة في كتابة الدستور بسبب مطالبة السلفيين بإعادة صياغة المادة الثانية من الدستور التي تنص على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع» لاستبدال كلمة «مبادئ» بكلمة «أحكام». وأكد عضو الهيئة العليا لحزب «النور» السلفي يونس مخيون تمسك الحزب بإضافة كلمة «أحكام» بدلاً من «مبادئ» في المادة الثانية من الدستور، معتبراً إن الإبقاء على النص الحالي في الدستور الجديد «لا يصب في مصلحة تطبيق الشريعة الإسلامية التي ينادي بها حزب النور». ولا شك في أن تصريحات قادة التيار السلفي تمثل اختباراً لمرسي الذي أصبح مطالباً من اليوم التالي لتسلم مهام عمله رسمياً بالتعاطي بقوة مع المخاوف من «أسلمة» الدولة لدى نصف الهيئة الناخبة التي صوتت لمنافسه، ناهيك عن قطاعات صوتت له رفضاً لمنافسه وليس دعماً لمشروعه «الإسلامي». وكان واضحاً غياب رموز التيار السلفي عن المفاوضات التي يجريها مقربون من مرسي مع القوى السياسية في إطار «الجبهة الوطنية» لتشكيل الحكومة والفريق الرئاسي. وقال عضو الجبهة حسن نافعة ل «الحياة»: «يحضر النقاشات التي نجريها مساعدون لمرسي لنقل ما نطرحه إليه». وأشار ل «الحياة» إلى أن قياديين في حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية ل «الإخوان»، أبرزهم محمد البلتاجي «حاضرون باعتبارهم أعضاء في الجبهة» التي كان شكلها مرسي قبل يومين من إعلان فوزه رسمياً، لافتاً إلى غياب ممثلين عن حزب «النور» السلفي أو حزب «البناء والتنمية»، الذراع السياسية ل «الجماعة الإسلامية». وأقر الناطق باسم حزب «النور» يسري حماد ب «عدم الحديث معنا في مسائل تشكيلة الحكومة أو الفريق الرئاسي، كما لم يستطلع رأينا في تلك القضايا». وقال ل «الحياة» إن «اللقاء الذي جمعنا بالدكتور مرسي قبل أيام لم يتطرق إلى مناقشات لتشكيل الحكومة، وإنما اكتفى بالاستماع إلى وجهة نظرنا في المرحلة المقبلة». ويرى النائب السابق الخبير في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» عمرو الشوبكي أن الرئيس سيتجاهل مطالب السلفيين، أملاً في كسب رضى الداعين إلى مدنية الدولة. لكنه أكد أن مرسي «سيسمح في المقابل للسلفيين بالعمل بقوة في الشارع، إذ أن وجودهم سيعطيه أفضلية وشعبية باعتباره إسلامي معتدل». وقال: «أتصور أن علاقة الدكتور مرسي بالتيار السلفي ستخضع لتوازنات، فالأرجح أنه في حاجة إلى التحالف مع قوى أكثر انفتاحاً، لكنه أيضاً يحتاج إلى دعم شعبي كرئيس معتدل، لذلك لن يسعى إلى إقصاء السلفيين عن المشهد السياسي، لكنهم لن يتمتعوا بدور كبير في مؤسسات الحكم».