لم يعد السفير الفلسطيني في مصر نبيل عمرو مقيماً في القاهرة كما يقتضي عمله الديبلوماسي، وانما عاد الى مدينة رام الله ليخوض الانتخابات على عضوية اللجنة المركزية لحركة «فتح» في المؤتمر العام للحركة الذي يعقد في بيت لحم في الرابع من الشهر المقبل. يغادر عمرو رام الله صباح كل يوم تقريباً الى واحدة من محافظات الضفة الغربية التي تحمل اسم «أقاليم» في النظام الداخلي لحركة «فتح». هناك يلتقي قادة الاقاليم الذين يشاركون في المؤتمر بصفتهم التنظيمية، ومع اعضاء وناشطين ممن لهم تأثير انتخابي محتمل. يداعب الجد نبيل (61 سنة) حفديته، ابنة الأشهر الستة في صالون بيته، بيت العائلة الذي يشاركه فيه ابناه طارق ومروان، قبل ان يغادر في سيارة الجيب، وهذه المرة الى مدينة قلقيلية شمالاً. يشير ثقل وزن باب السيارة الى انها سيارة مصفحة ضد الرصاص. ويخبرني مرافقه انه حصل عليها من الرئيس الراحل ياسر عرفات بعد تعرضه الى محاولة اغتيال افقدته قدمه عام 2004. في تلك الفترة، أشارت اصابع الاتهام الى موظفين كبار في مكتب الرئيس قيل انهم أرادوا التخلص من عمرو بعد مشاركته في لقاءات بحثت سبل الخروج من الازمة التي قادت الى فرض الحصار على الرئيس في مكتبه في رام الله. الطريق من رام الله الى قلقيلية وحدها كافية للدلالة على ثقل المسؤوليات التي تقع على عاتق كل سياسي فلسطيني من اقصى اليسار الى اقصى اليمين، ومن الاسلامي المعتدل الى الاسلامي القاعدي، فهي غارقة بالمستوطنات والبؤر الاستيطانية التي تتطلب ازالتها اكثر من معجزة سياسية او ربما حتى معجزة إلهية. الخروج من رام الله يتم عبر حاجز عسكري مقام على مدخل المدينة ويفصلها عن مستوطنة «بيت إيل» المقامة فقط على بعد عشرات الأمتار منها. وعند التدقيق في الإسم العبري للمستوطنة، ويعني «بيت الرب»، يطرح سؤال نفسه عمن لديه المقدرة على إزالة «بيت الرب» هذا الرابض على صدر مدينة رام الله، العاصمة الادارية للسلطة، بعد ان سيطرت اسرائيل على العاصمة السياسية، القدس، وزرعت فيها 200 الف مستوطن. وعلى المدخل الرئيسي المغلق لرام الله، على بعد مئات من الامتار، ثمة امتداد للمستوطنة في بؤرة استيطانية مكونة من نحو عشرة بيوت متنقلة. وعلى رغم اعلان الحكومة الاسرائيلية عن مثل هذه البؤر «غير قانونية»، الا انها تزودها الماء والكهرباء والهاتف والحراسة العسكرية. التأمل في بيوت البؤرة الاستيطانية هذه يطرح سؤالاً آخر: هل يصدق احد ان الحكومة الاسرائيلية ستزيل هذه البؤر وهي تمدها بكل اسباب البقاء والحياة والتوسع؟ تواصل السيارة شق طريقها عبر شوارع تحفها المستوطنات من على الجانبين، من «عوفرا» الى «شيلو» الى «عيليه» الى «معاليه لبونا» ... واللافت ان بعض تلك المستوطنات «فرّخ» سلسلة مستوطنات تعتلي رؤوس الجبال مثل مستوطنة «عيليه» التي اصبحت تتكون من ست مستوطنات تعتلي ستة رؤوس جبال، وتحمل جميعها اسماء احياء مشتقة من الاسم ذاته. هذه الطريقة في التوسع الاستيطاني اعتمدتها الحكومات الاسرائيلية بعد اتفاق اوسلو لتجنب الصدام مع الادارة الاميركية التي كانت تطالب بوقف بناء مستوطنات جديدة، فأي طريقة ستعتمدها حكومة بنيامين نتانياهو في التوسع الاسيتطاني للالتفاف على مطلب ادارة الرئيس باراك اوباما وقف كل اشكال التوسع الاستيطاني، بما فيه النمو الطبيعي؟ وعندما تتفرع الطريق الى قلقيلية عبر محافظة سلفيت، يتكثف المشهد الاستيطاني حتى ليبدو المشهد جزءاً من اسرائيل وليس الضفة، بدءاً من مستوطنة «آرئيل» المدينة الاستيطانية الكبيرة، الى سلسلة مستوطنات ترافقك حتى «الخط الاخضر». وفي قلقيلية تغيب المستوطنات ويغيب كل شأن سياسي آخر عن النقاش الداخلي في حركة «فتح» الذي ينصب حول الحركة وحاجتها لقيادة جديدة بعد عشرين عاماً على آخر انتخابات شهدتها في الشتات (في تونس عام 1989)، وبعد سلسلة اخفاقات بدأت بخسارة الانتخابات العامة عام 2006، ولم تنته عند خسارة قطاع غزة امام حركة «حماس» عام 2007. يلفت عمرو أنظار اعضاء قيادة اقليم «فتح» وناشطيها في قلقيلية الى ان الحركة تعمل منذ زمن طويل من دون قيادة. ويقول لهم ان «فتح» كانت تعمل من دون قيادة حتى اثناء وجود عرفات الذي كان محاصراً في مقره في رام الله. وأضاف: «الحركة بقيت قائمة وتعمل بنشاط الكادر الميداني، وليس بتنظيم من القيادة الغائبة» مشيراً في ذلك الى النجاحات التي حققتها في انتخابات الجامعات. يرى عمرو ان «فتح» ما زالت ضرورة للشعب الفلسطيني وللمشروع الوطني، ويقول انها تعيش على رغم الازمات والخسارات بقوة ارتباطها بالناس: «لو تعرضت دولة لهذه الازمات لانهارت، لكن فتح قائمة وقوية بفعل قربها من الناس، وحاجة الشعب الفلسطيني اليها لانجاز المشروع الوطني». يقدم عمرو برنامجه الانتخابي الى اعضاء مؤتمر «فتح» تحت شعار «التجدد»، ويقول ان «فتح» في حاجة الى التجدد اكثر من حاجتها للتغيير. ويحدد حاجة «فتح» الى التجدد في الحقول الآتية: استقلالية مؤسسات الحركة عن مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير، وانهاء الفوضى الداخلية في الحركة التي تتيح لكل شخص فيها ان يخرج على الملأ ويطلق تصريحات باسمها من دون ان يخوله احد، واستعادة مؤسسات الحركة، وتحقيق الاستقلال المالي. يرى عمرو ان امام «فتح» فرصة لاعادة بناء نفسها كحركة سياسية حيوية وفاعلة بعد الانتخابات، بحيث تعيد بناء مؤسساتها الاعلامية والمالية والتنظيمية، ويقول: «الى متى تظل الحركة تنتظر موازنتها على شباك وزارة المال مطلع كل شهر؟ علينا البحث عن تمويل ذاتي للحركة وانشطتها». ويشير في ذلك الى اتجاهين: الاول عبر فرض اشتراك شهري على اعضاء الحركة البالغ عددهم بين 400 و 500 الف عضو يتناسب ودخل كل واحد منهم، والثاني الحصول على دفعات دورية من شخصيات اقامت مؤسسات اقتصادية مصدرها اموال الحركة. لكنه يضيف ان «البزنس الذي يقيمه بعض الناس في الحركة بقيمة الملايين وعشرات الملايين سيثار في المؤتمر». يدرك عمرو ان للعلاقة مع عرفات اهمية في الانتخابات المقبلة، لذا فهو يروي لناخبيه قصصاً من تاريخ العلاقة مع الرئيس الراحل. بعض هذه القصص من حقبة بيروت، وفي احداها ان عرفات كان يأتي ليلاً الى مقر اذاعة صوت الثورة التي كان عمرو مديراً لها، باحثاً عن مخبأ آمن من الطيران الاسرائيلي. ويقتبس عن عرفات قوله في تلك المرحلة انه كان يتمنى لو كانت بيروت مدينة فلسطينية حتى لا يغادرها. ويقول: «كان عرفات محرجاً من اللبنانيين لأن اسرائيل كانت تقصف بيروت وتدمرها لاجباره على مغادرتها. ويضيف ان عرفات حرص على خروج مشرف من بيروت، رافضاً الخروج المذل الذي ارادته اسرائيل، ليرسخ في اذهان ابناء الشعب الفلسطيني والعالم انه خرج حفاظاً على بيروت وليس مهزوماً امام الجيش الاسرائيلي. عمرو واحد من عشرات المرشحين للجنة المركزية لحركة «فتح»، لكنه واحد من اكثرهم نشاطاً في الوصول الى القواعد الانتخابية. ومن ابرز المرشحين الرئيس محمود عباس والاسير مروان البرغوثي والدكتور ناصر القدوة واحمد قريع والدكتور صائب عريقات وعزام الاحمد وقدورة فراس وحاتم عبد القادر وانتصار الوزير (ام جهاد) ونصر يوسف واسماعيل جبر وصخر بسيسو وحكم بلعاوي وعبد الله الافرنجي. وتشير تقديرات الى ان العدد قد يصل الى 120 مرشحاً يتنافسون على 21 مقعداً. يحدد عمرو معايير النجاح في الانتخابات ب: التاريخ الشخصي للمرشح، والنزاهة، والدور الاعلامي، ومدة تشدد المرشح ضد «حماس»، وقربه من عرفات. لكنه يشير الى عوامل عديدة تحدد وجهة الناخب، منها المناطقية، مشيراً الى ان نسبة كبيرة من اعضاء المؤتمر (نحو 30 في المئة) ستتوجه الى انتخاب اشخاص على خلفيه جهوية، اي ان ينتخب ابناء قطاع غزة مرشحين من القطاع، وابناء الخليل والجنوب مرشحين من مناطقهم وهكذا. لكنه يشير في الوقت نفسه الى نسبة ذات وزن من الموضوعية في الاختيار. وثمة نسبة من المرشحين تخضع لتأثير القيادة، وهي نحو 400 عضو يمثلون الجهاز العسكري لحركة «فتح». ويقول عمرو ان للرئيس عباس تأثيراً خاصاً على هؤلاء نظراً الى ارتباطهم بالمؤسسة الرسمية. ويستبعد عمرو المقرب من عباس ان تكون للرئيس كتلة مرشحين في المؤتمر يسعى لانجاحها كما يتكهن البعض. ويقول ان الرئيس لن يعمل من اجل احد، وان كان يفضل بعض المرشحين الذين يرتاح للعمل معهم على غيرهم. يدور نقاش واسع في «فتح» على معايير الانتخاب، لكن احداً لا يستطيع تحديد العامل الحاسم. البعض يقدم وعوداً، والبعض يقدم مساعدات مباشرة او غير مباشرة، لكن احداً لا يستطع التنبؤ بوجهة الناخب في الحركة لاسباب عدة منها ان «فتح» لم تشهد انتخابات لهيئاتها القيادية منذ عشرين عاماً، ومنها ايضاً ان «من يرحب بك على الباب قد يكون مستعداً لتوجيه الطعنة لك وانت تغادر». والمشكلة الأكبر هي ان نحو ثلثي اعضاء المؤتمر، وعددهم نحو 1700 عضو، غير منتخبين وانما يمثلون هيئات شعبية او كفاءات وخبرات او اقاليم جرى تعيين قيادتها من القيادة لتعذر اجراء الانتخابات. ويرجح ان يعطي الكثير من هؤلاء الولاء لمن اختاروهم وليس لمن يرفع لواء التتغيير والتجديد.