تم في بريطانيا أخيراً افتتاح فندق للكلاب. خبرٌ قد يأخذه البعض على محمل الجد انطلاقاً من حق الحيوان بالرعاية والاهتمام، والبعض الآخر على محمل الطرفة والغرابة، فيما قد يعتبره آخرون سخيفاً مستفزاً لمشاعر ملايين البشر ممن لا يجدون المأوى والمأكل والملبس ويعيشون تحت مستوى ما يُسمى بخط الفقر الذي يزداد شمولاً واتساعاً بمقدار ما يزداد أصحاب المليارات ثراء فاحشاً. لستُ ضد الرفق بالحيوانات والاهتمام بها وإيلائها العناية التي تلزم. هي كائنات حية تشاركنا الكوكب نفسه موفرةً الكثير من الفوائد والإيجابيات الحافظة لتوازن الطبيعة. التعامل العنفي مع تلك الكائنات يكشف وحشية بشرية تفوقُ وحشية بعض الحيوانات المفترسة التي لا تقدم على فعلتها سوى بداعي الجوع فيما يفعل الإنسان (الحيوان الناطق) الأمر نفسه بدواعي تزجية الوقت والمتعة واللهو والتسلية. أؤنب صديقاً لي من هواة الصيد في الأدغال الأفريقية عائداً كل مرة بفيلة وأُسود ودببة وغزلان وسواها من كائنات يحنّطها و يعرضها في منزله الذي تحوّل معرضاً لجثث الحيوانات، أؤنبه بلهجة تمزج الجد بالمزاح: لو عشتَ في لبنان خلال الحرب الأهلية لكنتَ قناصاً على إحدى الجبهات، ولو علمَتْ بريجيت باردو برحلات صيدك لرفعتْ عليك دعوى القتل العمد! يُروَى أن الشاعر اللبناني شوقي أبي شقرا مرَّ يوماً بجماعة من رفاقه في مجلة «شعر» بينهم الشاعر يوسف الخال. ألقى التحية عليهم فبادروه بالدعوة إلى مشاركتهم طعام الغداء، سألهم: ماذا تأكلون؟ أجابوا: عصافير مشوية. ردَّ مستنكراً: ماذا؟ تأكلون الموسيقى؟! هل من أحد في العالم يأكل الموسيقى؟! كان أبي شقرا المعروف بنصاعته ورقته وشفافيته يرى في العصافير مؤلفي موسيقى وعازفين لا مجرد طيور تُصطاد وتؤكل. أشارك شوقي وأمثاله النظرة إلى الطيور وبقية الكائنات الحية وأحرص على عدم إيذاء نملة. لا أعارض أبداً الاهتمام بالحيوانات ورعايتها بكل ما يلزم. لكن، يستفزني بلوغ الأمر حد البطر و «الجنون» مثل إقامة فندق خاص للكلاب فيما ملايين البشر مشردون في العراء يعانون الجوع والأمعاء الخاوية على امتداد الكوكب من أفريقيا إلى آسيا وأميركا اللاتينية وصولاً إلى أوروبا نفسها التي لا تخلو ممن يفترشون الأرصفة ومحطات المترو طلباً للعون و المساعدة. ولا أظن بريطانيا نفسها في معزل عن الأزمة المالية/ الاقتصادية التي تضرب أوروبا من شرقها إلى غربها. صراحةً، لا أرى في إفراط البعض بتدليل حيواناته دليلاً على إنسانية عالية بمقدار ما أراه علامة نرجسية واحتقار للإنسانية نفسها حين يحظى حيوان بأكثر مما يحظى به الكثيرون من بني آدم. يقول على بن أبي طالب: «ما اغتنى غنيٌّ إلّا من فَقْر فقير». لو بذل الأثرياء ما ينبغي أن يبذلوه، ولو طُبق مبدأ الزكاة كما ينبغي في المجتمعات الإسلامية لما كان بيننا فقير واحد. الطامة الشنيعة والبشعة أن الأثرياء يصرفون على متعهم ولهوهم وغرائزهم ما يكفي ليس فقط لإشباع الجوعى بل لحذف كلمة جوع من القاموس. القيم الاستهلاكية والنفعية للمجتمعات الرأسمالية جعلت إنسانية الإنسان في أسفل سافلين، وردّته كائناً بدائياً لا هم له ولا غاية سوى اللهاث وراء لقمة العيش وتوابعها فيما قلة قليلة جداً من البشر تلعب بالمال جاعلةً هذه النجمة المسماة أرضاً كازينو قمار هائلاً مقره الرئيس «وول ستريت» وفروعه في كل أصقاع الدنيا. حين قرأتُ نبأ الفندق الكلبي، خطر في بالي الخروج إلى أصحاب هذه الأفكار المستفزة بمدى تفاهتها ومجانيتها، لأعضّهم في عقولهم المترَفة صارخاً في وجوههم: عووووووووو!