لا يحتفل العراقيون بعيد الأب، ولا يعرفون موعد الاحتفال به إلاّ في حالات نادرة، فالعلاقة السلطوية للآباء داخل العائلة تدفع الكثيرين إلى عدم الاكتراث. وعلى العكس من عيد الأم الذي يتذكره بعض الشباب والأطفال وتروّج له الفضائيات المحلية ووسائل الإعلام، فإن مجرّد الحديث عن وجود عيد للأب قد يدفع الكثيرين إلى الضحك وكأن المناسبة تقليد يبعث على السخرية. والآباء أنفسهم في العراق لا يعلمون الكثير عن عيدهم، ومن يسمع بالمناسبة للمرة الأولى يشعر بالدهشة ويطرح السؤال المعهود ذاته: «هل حقاً هناك عيد للأب أم أنكم تمزحون»؟. تحرص دينا أشد الحرص على تذكر عيد ميلاد والدها ولا تنسى الاحتفال به وتقديم الهدايا له، إلاّ أنها لا تتذكر عيد الأب وتسمع به صدفة على شبكة الإنترنت. وتقول دينا التي تهتم بالتدوين: «لم أنسَ يوماً عيد ميلاد والدي، وغالباً ما أعد مفاجأة غير متوقعة له في عيد ميلاده بالتعاون مع أشقائي، ولكني لا أذكر إنني فعلت الأمر ذاته يوماً في عيد الأب الذي أسمع به بالصدفة». وليست دينا وحدها مَن تنسى القضية، بل إنها لم تسمع يوماً أن صديقاتها أو زميلاتها في العمل تحدثن يوماً عن عيد الأب أو أنهن قدّمن لآبائهن الهدايا في هذه المناسبة. وتعلّق مبتسمة: «لا أعتقد أنه مهم بقدر عيد الأم وإلا لكنّا تذكرناه. وأعتقد أن الأب أيضاً غير مهتم بأن نجعل له عيداً، فهو شخص جاد، في أوقات كثيرة أكثر من اللازم، ولا يتناسب وضعه العائلي مع أجواء الاحتفال والكلمات الرقيقة على النقيض من الأم». تعليق دينا يكاد يتطابق مع تعليقات الكثير من الشباب الذين يجدون في آبائهم رموزاً للجدية «الزائدة» والسلطة المطلقة التي لا تتماشى مع رقة المناسبة، ويطلق بعضهم العنان لضحكة عالية عند سماعه عن المناسبة. ويقول أحدهم ساخراً: «أشعر أن من المعيب أن يكون للأب عيد. ماذا يفعل الأب بعيده؟ ربما يلبس الثياب الجديدة. وماذا يمكن أن نغني له في الحفلة؟». أحمد لم يسمع بعيد الأب من قبل، وسؤاله عن المناسبة يجعله يستخدم الموقف للضحك، وتبادل النكات مع الأصدقاء الذين لا يتورّعون عن إطلاق تعليقاتهم حول الموضوع وهم يحوّرون بعض الأغاني المخصّصة لعيد الأم إلى الأب كأغنية «ست الحبايب»، التي يحوّلها أحمد وزملاؤه إلى «سيد المصائب». ويقول: «لم أسمع من أبي يوماً أنه يحب الأعياد، وهو غالباً ما يهزأ من بعض المناسبات، فما الداعي لوجود العيد الأبوي». ويعلق أحد أصدقاء أحمد الذين كانوا يضحكون من السؤال عن عيد الأب بالقول: «عيد الأب يذكرني بعيد الشرطة». ويضيف: «ما إن أدخل إلى المنزل حتى يبدأ بطرح الأسئلة حول فلان وفلانة، وعن الطعام الذي طبخته والدتي للغداء وعن كل شيء حتى إنني أشعر إننا في دائرة شرطة وأبي هو رئيس الشرطة». النكات التي يتناقلها الشباب عند سماعهم بعيد الأب تنطلق من غرابة الموقف، فالآباء يتمتعون بسلطة تجعلهم بعيدين من أجواء الاحتفالات والمرح، وهو ما يُعمِّم النظرة السائدة عنهم بأنهم فوق الأعياد، ومجرد التفكير بالاحتفال بعيدهم أمر غريب، فالعيد يليق بالأمهات أكثر من الآباء لكونهن أكثر رقّة وأكثر تعاوناً مع الأولاد في إخفاء بعض أخطائهم والتغاضي عنها.