بدأ المصريون للمرة الأولى في تاريخهم التصويت في انتخابات رئاسية غير محددة النتائج سلفاً، في أجواء هدوء لافت وإقبال متوسط يتوقع أن يرتفع اليوم في ثاني أيام الاقتراع. ولم يعكر صفو الأجواء سوى وقوع اشتباكات محدودة بين أنصار المرشحين بدت غير مؤثرة. ورصدت مخالفات تتعلق غالبيتها بخرق الصمت الانتخابي، أبرزها عقد أحمد شفيق أمس مؤتمراً صحافياً دعا فيه إلى انتخابه. وتأخر بعض اللجان في فتح أبوابه لاستقبال الناخبين تحت ذرائع مختلفة وأغلقت أخرى أبوابها في منتصف اليوم لساعات بحجة الراحة وتناول وجبة الغداء. ولوحظ حرص قوات الجيش والشرطة على تلافي بعض سلبيات الانتخابات البرلمانية، إذ أوقفت عشرات من أنصار مختلف المرشحين أثناء الدعاية أمام المقار الانتخابية، وحرصت على إزالة أي نوع من الدعاية في نطاق 300 متر من اللجان الانتخابية، ومنعت «الإخوان المسلمين» من نصب خيام قرب المقار الانتخابية بحجة تعريف الناخبين بلجانهم، وهي الخيام التي كانت تستغل للدعاية لمرشحي الجماعة في انتخابات البرلمان. واستنفرت جماعه «الإخوان»، إذ احتشد معظم قادتها في مقرها الرسمي في حي المقطم القاهري منذ الساعات الأولى لصباح أمس حتى إغلاق اللجان أمام المقترعين مساء. وانحسرت المنافسة في الانتخابات التي يخوضها 13 مرشحاً بين خمسة مرشحين، هم مرشح «الإخوان» محمد مرسي الذي يركز على وعود بتطبيق الشريعة، والمرشح الإسلامي المعتدل عبدالمنعم أبو الفتوح الذي يطرح فكرة «الاصطفاف الوطني» مستنداً إلى دعم سلفي وليبرالي ويساري، والمرشح الناصري حمدين صباحي الذي يطرح نفسه على أنه «مرشح الثورة والفقراء»، ووزير الخارجية السابق عمرو موسى الذي ركز على نفي صلته بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، وأخيراً آخر رؤساء حكومات مبارك أحمد شفيق. وأجريت الانتخابات التي يحق لنحو 50 مليون ناخب التصويت فيها، تحت إشراف قضائي كامل، بمشاركة 14 ألفاً و 509 قضاة من مختلف الهيئات القضائية. وتغلق لجان الاقتراع مساء اليوم قبل أن يتم فرز أصوات الناخبين داخل اللجان الفرعية بمعرفة القضاة وأمناء اللجان في حضور ممثلي منظمات المجتمع المدني ومندوبي المرشحين. وقال مرشح «الإخوان» محمد مرسي بعد إدلائه بصوته في محافظة الشرقية إن «الانتخابات هي مكمل لنقل السلطة التنفيذية بعد البرلمان، وبداية لطريق طويل لبدء التنمية وتثبيت الديموقراطية». وشدد على أن الشعب «لن يسمح بعد أن قام بثورة عظيمة شهد لها العالم بعودة الفلول أو النظام البائد إلى الحكم مرة أخرى، وسيحمي صناديق الانتخابات وسيبيت أمامها حتى تخرج النتائج النهائية». أما أبو الفتوح، فقال عقب الإدلاء بصوته في القاهرةالجديدة: «اليوم يختار الشعب المصري خادماً له وموظفاً يستهدف وطناً قوياً... أنتم الآن تكتبون صفحة أخرى من تاريخ هذا الوطن. نريد أن تكون مصر وطناً قوياً لكل المصريين، وأن يختار الشعب رئيساً يسترّد ثرواته ويحافظ على كرامته ويوفرّ فرصة عمل وتعليم وتأمين صحّي لكل مصري». وأدلى عمرو موسى بصوته في ضاحية التجمع الخامس على أطراف القاهرة، مؤكداً أنه سيتقبل النتيجة أياً كانت. ودعا إلى «احترام النتيجة طالما جاءت من عملية انتخابية شفافة ونزيهة». وأعرب المرشح اليساري خالد علي عن سعادته بالإقبال على المشاركة في التصويت، «والإصرار على أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة». وفي مخالفة صريحة للصمت الانتخابي، عقد أحمد شفيق مؤتمراً صحافياً صباح أمس في مقر حملته قال إنه للرد على إشاعات عن إصابته بأزمة قلبية، لكنه دعا خلال المؤتمر إلى انتخابه. وقال: «ضعوا ثقتكم في أحمد شفيق... طلبت ثقتكم وسأكون قادراً على الوفاء بها»، مشيراً إلى أن أبرز تعهداته في حال فوزه «هو تحقيق الأمن ثم الأمن... أؤكد أنني سأمنع الفوضى وأدرك ما أقول وسأساعد بلادنا في ألا تتحول إلى بحر دم». وأكد ثقته في إجراءات اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة، قائلاً: «أحترم جهد القوات المسلحة وأشكر مجهوداتها على إنجاح العملية الانتخابية وأيضاً رجال الشرطة لهم كل التحية»، لافتاً إلى أنه «يجب أن نحترم نتائج الانتخابات أياً كانت». وأضاف: «في حال الاعتراض على شخصي في حال فوزي فعلى الدولة أن تتولى زمام الأمور وتفرض الأمن بحزم على المحتجين لأن الشعب من سيختار وسيكون الاعتراض على إرادة الشعب». ودفعت مخالفة شفيق للقواعد الانتخابية منظمات مجتمع مدني عدة إلى تقديم بلاغات ضده إلى اللجنة العليا للانتخابات، أحالتها الأخيرة على النيابة العامة للتحقيق فيها. وتركزت المخالفات الأخرى التي رصدتها منظمات أشرفت على الانتخابات في تأخر فتح عدد من لجان الاقتراع أمام الناخبين بسبب تأخر وصول القضاة، واختراق الصمت الانتخابي من قبل حملات المرشحين أبرزهم مرسي وشفيق وموسى وأبو الفتوح، إضافة إلى مشاجرات بين أنصار بعض المرشحين، كما تبادلت حملات المرشحين اتهامات بخرق الصمت الانتخابي. وطالبت حملة أبو الفتوح لجنة الانتخابات ب «وضع حد للانتهاكات الجسيمة لحملة شفيق... التي تقوم باشتباكات مع حملات المرشحين الآخرين وإرهاب الناخبين وغلق مقار الاقتراع وشراء الأصوات وتورّط بعض القائمين على العملية الانتخابية بتوجيه المواطنين إلى التصويت لمصلحته». واعتبرت في بيان أن «التجاوزات صارت من الكثافة بحيث قد تُهدّد صدقية العملية الانتخابية، وهي استعادة للسلوك الانتخابي للحزب الوطني المنحل ومحاولة من فلول النظام القديم لإجهاض الثورة والانقلاب على مكتسباتها». في المقابل، قلل رئيس اللجنة القاضي فاروق سلطان من التجاوزات التي شهدتها العملية الانتخابية. وقال في مؤتمر صحافي إن «كل لجان الاقتراع على مستوى الجمهورية بدأت في مواعيدها المقررة عدا 3 لجان فقط نتيجة عوائق خارجة عن إرادة القضاة». ونفى استبعاد عدد من القضاة من الإشراف على الانتخابات إثر قيامهم بتوجيه الناخبين للتصويت على نحو معين، مشيراً إلى أن «هذه الأنباء لا أساس لها». وذكر أن «اللجنة لاحظت استمرار المخالفات الدعائية من جانب بعض المرشحين وأنصارهم وقيامهم بعمل دعاية انتخابية على رغم حظرها»، موضحاً أن «اللجنة وصلت إليها 3 وقائع تتعلق بخروقات انتخابية ارتكبها المرشحون وأنصارهم، وقامت بإحالتها على الفور على النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات القانونية حيالها». وأضاف أن «خروقات الدعاية الانتخابية التي تم تحويلها إلى النائب العام شملت شفيق ومرسي وأبو الفتوح». وجرت مشاجرات ومشادات في لجان عدة في محافظتي القاهرة والجيزة بين مؤيدي شفيق ومعارضيه الذين مزقوا لافتاته. وفي الأقصر شهدت إحدى اللجان اشتباكات بين أنصار محمد مرسي وعمرو موسى، ما أسفر عن إصابة شخصين. وفي البحيرة، وقعت مشادات بين مندوبي أبو الفتوح ومندوبي مرسي أمام إحدى اللجان بسبب قيام مندوبي مرسي بتوجيه الناخبين. وتم إيقاف التصويت داخل لجنة في مركز أبو المطامير في البحيرة بسبب كثافة الدعاية للمرشحين في شكل غير قانوني والتأثير في الناخبين، ورفض القاضي المشرف على اللجنة السماح بعودة التصويت مرة أخرى إلا بعد إزالة الملصقات الدعائية الخاصة بالمرشحين من داخل اللجان نهائياً. وفي أسيوط، حرر أحد أنصار أبو الفتوح محضراً ضد حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان»، سجل فيه اعتراضاً على استخدام صور لدعاة مشهورين في الدعاية لمرسي. وفي قنا وقعت اشتباكات بين أنصار شفيق وأنصار أبو الفتوح بعد ترديد هتافات ضد «الفلول»، ما تسبب في حدوث مشادة كلامية تطورت إلى حد التشابك بالأيدي. وفي الغربية وقعت اشتباكات بين مؤيدي شفيق ومرسي أمام بعض اللجان الانتخابية بعد اعتراض أنصار شفيق على توزيع أنصار مرسي دعاية على الناخبين.