لم ينته بحث ديف إغرز عن المعنى بعد خيبة طويلة من دمار الحلم الأميركي. رواية ثالثة في ثلاثة أعوام تجادل وتسائل على طراز تشارلز ديكنز وإميل زولا وفق ناقد «ذا غارديان». هجت «صورة مجسّمة للملك» في 2012 العولمة، ورصدت بائعاً أميركياً يفشل في مهمّته في السعودية. تحسّرت «الدائرة» في 2013 على خسارة الفرد خصوصيته وسط طغيان تكنولوجيا الاتصالات المعاصرة. وتتابع «أباؤكم، أين هم؟ والأنبياء، هل يعيشون الى الأبد؟» الصادرة أخيراً عن دار هاميش هاملتن، انحسار حضور بلاده في العالم، وتسعى الى معنى جديد لوجودها. توماس في منتصف الثلاثينات، غاضب، منهجي وغير عنيف. يهجس بقضايا كبيرة وحياته الخاصة، ويخطف من يملك الأجوبة. يبدأ برائد فضاء أعجبه حين عمل مساعد أستاذ في جامعته، ويقيّده الى عمود في قاعدة فورد أورد المهجورة على المحيط الهادئ. بات كِف باتشيوريك رائد فضاء كما حلم دائماً، لكن سحب التمويل منعه من المشاركة في مهمة المكوك. بدلاً من أن تنفق أميركا خمسة تريليونات على حروب غير مفيدة، كان بإمكانها متابعة استكشاف القمر والمريخ وإنفاقها على أي شيء ملهم لعين. متى كانت آخر مرة، يتساءل توماس، فعلنا شيئاً ملهماً لأي شخص؟ ألا يستحق مواطنوه مشاريع إنسانية كبيرة تمنحهم بعض المعنى؟ يزداد الرهائن مع تكاثر الأسئلة. يختفي توماس ليعود بمخطوف جديد يقيده في مبنى منفصل ويهدّده باستخدام مسدّس التيزر إن لم يُهدِه الى الطريق. معلّم قد يكون اعتدى عليه. عضو سابق في الكونغرس. والدته. يطلب منهم الإدلاء ب «شهادات» حول ما يراه شذوذ الثقافة الأميركية. توقف البرنامج الفضائي، وضع الرعاية الصحية، موافقة الكونغرس على الحروب، عنف المعلّمين والجنود ورجال السلطة. صديق طفولته نصف الفييتنامي دون بان قتله رجال الشرطة، والجنود يعودون من الحروب بأفكار رهيبة ومهارات إجرامية ويجب منعهم من الاختلاط الاجتماعي. في الصحراء اليوم، يقول جندي سابق في فييتنام، مئة ألف مقاتل يقتلون المدنيين ويغتصبون النساء. الأميركيون «عرق غريب»، يرى توماس، ولا أحد يتوقع أن ينال كل ما يريده إلا هم. ولماذا لا يرسلهم أعضاء الكونغرس الى مكان ما ويكلفهم مهمة؟ اختار إغرز العنوان من كتاب زكريا في العهد القديم، واقتصرت روايته على الحوار. «آباؤكم، أين هم؟...» عن الأسئلة والأجوبة أساساً، والحوار أسلوب ملائم، وإن صعب، للكتابة. يرفض بعض رهائنه الكلام رعباً أو احتقاراً، ويسخر هو من طريقة كلامهم في تشديد على أهمية وسيلة التواصل بين البشر. يقول إن أحداً لا يتكلم هكذا، أو يهزأ من استخدامهم كلمات فصيحة، أو يشجّعهم على مزج كلمتين في واحدة. توماس مجنون حكيم يحقنه غضبه من مظالم العالم فيطلقه أسئلة يائسة الى أن تتضّح الأمور أمامه ويلتقي امرأة.