رويترز - قال مصرفيون في دمشق إن سورية طرحت نقوداً جديدة للتداول لتمويل العجز المالي مما يجعلها عرضة لارتفاع التضخم بعدما بددت أعمال العنف والعقوبات إيرادات البلاد وأدت لانكماش اقتصادي شديد. وقال أربعة مصرفيين في دمشق لوكالة «رويترز» أن أوراقاً نقدية جديدة طبعت في روسيا تتداول بكميات تجريبية في العاصمة وحلب وهي أول خطوة من نوعها منذ اندلاع الانتفاضة الشعبية ضد الرئيس السوري بشار الأسد في 2011. وقال المصرفيون الأربعة إن الأوراق الجديدة لن تستخدم كبديل للقديمة المتهالكة فحسب بل لضمان دفع الرواتب وغيرها من النفقات الحكومية. ويقول اقتصاديون إن تلك الخطوة قد تؤدي إلى رفع التضخم وتفاقم الأزمة الاقتصادية. وأضاف المصرفيون ورجل أعمال على صلة بمسؤولين إن النقود الجديدة طبعت في روسيا لكنهم احجموا عن ذكر اسم الشركة التي طبعتها. وقال اثنان من الأربعة انهما تحدثا إلى مسؤولين عادوا في الآونة الأخيرة من موسكو حيث جرى البحث في الأمر. وقال أحد المصرفيين الذين طلبوا جميعاً عدم الكشف عن هويتهم «ارسل (الروس) عينة من الأوراق النقدية وتمت الموافقة عليها وسلمت الطلبية الأولى. أعلم أن بعض الأوراق الجديدة ضخت في السوق». وقال مصرفيان كبيران آخران في دمشق إنهما سمعا من مسؤولين أن الطلبية الأولى التي لم يكشف عن حجمها وصلت إلى سورية من روسيا لكنهما لم يتمكنا من تأكيد بدء تداولها. وقال وزير المال السوري محمد الجليلاتي الأسبوع الماضي إن سورية بحثت في طبع العملات الورقية الجديدة مع المسؤولين الروس خلال محادثات اقتصادية في نهاية أيار (مايو) في موسكو. وقال إن الاتفاق اكتمل تقريباً من دون الإفصاح عن تفاصيل. وفي وقت لاحق نفى البنك المركزي من خلال وسائل الإعلام التابعة للدولة تداول عملات ورقية جديدة. وتطبع «جوزناك» الشركة الحكومية التي تشغل مطبعة النقود الروسية وتملك الحقوق الحصرية للحصول على تكنولوجيا الطباعة، عملات ورقية لدول أخرى بانتظام. وأحجمت الشركة عن التعليق. وكانت سورية تطبع عملاتها من قبل في النمسا في شركة تابعة للبنك المركزي النمسوي. وقال متحدث باسم البنك المركزي النمسوي إن هذا الاتفاق علق العام الماضي بسبب عقوبات الاتحاد الأوروبي. ووصف أحد المصرفيين الأربعة قرار استخدام عملات ورقية مطبوعة حديثاً في روسيا لسد العجز بأنه «ملاذ أخير» بعد دراسة الأمر لأشهر. وتنامى العجز نتيجة تراجع إيرادات الحكومة وفقد صادرات النفط التي تعثرت بسبب العقوبات. ولا ترغب الحكومة في فرض إجراءات مرفوضة شعبياً لمواجهة العجز مثل خفض الدعم وزيادة الضرائب. وقال رجل الأعمال المطلع على الموضوع والذي له اتصال بمسؤولين في قطاع النقد: «العجز قائم وآخذ في النمو بالفعل بل وينمو بسرعة. قرروا طبع عملات ورقية لتمويله». وقال مصرفيون إن الأولوية للاستمرار في دفع الرواتب لأكثر من مليوني موظف في الدولة وهم جزء من القوة العاملة في البلاد التي قوامها 4.5 مليون من السكان البالغ تعدادهم 21 مليون نسمة. وقال أحد المصرفيين: «لا يمكن السماح بانهيار القطاع العام. يصرف العاملون أجورهم ولن تكون هناك شكوى إذا حصلوا على أجورهم في نهاية كل شهر. إذا وصلنا لمرحلة لا يحصلون فيها على أجورهم ستكون هناك أزمة. وموازنة العام 2012 البالغة 27 بليون دولار هي الأكبر في تاريخ البلاد وفاجأت كثيرين. ويقول مصرفيون إن الدافع لزيادة الإنفاق هو الرغبة في خلق مزيد من الوظائف في القطاع العام والإبقاء على الدعم لتفادي اتساع نطاق حالة الاستياء. واضطر القطاع الخاص للاستغناء عن عدد كبير من موظفيه لكن العاملين في القطاع العام احتفظوا بوظائفهم ولم تتأثر أجورهم على رغم تجميدها عند مستوياتها الحالية. وثبت أن تمويل الإنفاق أمر صعب. وتبين أن البنك المركزي تجاوز الحد الأقصى للاقتراض من المصارف العامة وتحجم المصارف الخاصة عن شراء السندات الحكومية. وتجاوزت نسبة التضخم بالفعل 30 في المئة إلا أن البنك المركزي يقول إنها يمكن السيطرة عليها. وأنفقت السلطات أموال الدولة على الدعم لتبقي أسعار خدمات المرافق للمنازل والبنزين من دون تغيير وأعلنت فرض قيود على أسعار السلع الأساسية. لكن أسعار الكهرباء للصناعات الكبرى ارتفعت بنسبة 60 في المئة وزاد أيضاً سعر وقود الديزل المدعوم. وقال أحد المصرفيين إن السلطات تنوي ضخ كمية قليلة فقط من العملات الورقية الجديدة حتى لا يتفاقم معدل التضخم. وأضاف: «ثمة حد لكم النقود الجديدة التي يمكن ضخها في الاقتصاد في مثل تلك الأوقات التي تتسم بضبابية شديدة. التهور في طبع النقود كوسيلة لالتقاط الأنفاس على المدى القصير قد يكون انتحاراً اقتصادياً».