تطالب المعارضة السورية بتدخل المجتمع الدولي عسكرياً لإسقاط الرئيس السوري ونظامه. ومع تكرار هذا الطرح، يعود إلى الواجهة طرح الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، وتستعاد معاهدات "وستفاليا" الألمانية التي مهّدت لفصل السياسات الداخلية للدول عن تلك الخارجية، كما إلى وضع معايير وضوابط للتدخل في الدول الأخرى. فقد كتب هنري كيسنجر، وزير خارجية الولاياتالمتحدة سابقاً، مقالاً، نشرته "واشنطن بوست" الأميركية في 2 الجاري، دعا فيه الى إعادة النظر في دعوات التدخل العسكري في سورية انطلاقاً ممّا "ورثناه" عن معاهدات وستفاليا. فما علاقة هذين العنصرين بفرضية حدوث تدخل عسكري في سورية واحتماله؟ وستفاليا والسيادة تشكل معاهدات "وستفاليا" حدثاً تاريخياً مهماً ساهم في تحديد شكل النظام العالمي الجديد، عبر وضع خط فاصل بين السياسة الدولية والسياسة المحلية ، وطرح "سيادة الدولة" كمبدأ أساسي للعلاقة بين الدول. فبعد معاهدات وستفاليا (1648) التي أنهت 30 عاماً من الحروب الأوروبية، عُرّف النظام العالمي كمجموعة دول ذات أرض وحدود واضحة مستقلة بعضها عن بعض على مستوى الهيكلية الداخلية والمصالح واتخاذ القرارات. بمعنى آخر، يُعتبر تدخل دولة في الشؤون الداخلية لدولة اخرى تعدياً على سيادتها. الا أن ثمة حالات تشذّ عن القاعدة. فحسب القانون الدولي، يُسمح بالتدخل في الشؤون الداخلية في حالات محددة، منها تحت شعار "التدخل الإنساني" لمنع عمليات إبادة، أو قتل جماعي، أو تطهير عرقي أو خطر استخدام اسلحة الدمار الشامل. ويشير خبراء في القانون الدولي إلى أن مبدأ السيادة لا يؤخذ به في حال "الدولة الفاشلة" ولا يكون هنالك اي رادع للتدخل الأجنبي. وتُعتبر أفغانستان قبيل الاجتياح الأميركي او السودان مثالين على دولتين فاشلتين تشكلان تهديداً للدول المجاورة والنظام العالمي، فيصبح التدخل الخارجي ضرورة وليس تعدياً على السيادة. الفيتو يمنع الفصل السابع تحت عنوان "فيما يُتخذ من الأعمال في حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان"، يشرح الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، سبل تعامل المجتمع الدولي وآلياته، ممثّلاً بمجلس الأمن مع حالات تهدد او يُحتمل أن تهدد السلام العالمي. إذ يجيز للدول الاعضاء "اتخاذ كل الاجراءات اللازمة" من اجل تطبيق قرارات محددة. وتتراوح التدابير بين عقوبات اقتصادية واستخدام القوة العسكرية، وهي غالباً ما تمتد فترة طويلة. ويتطلب تمرير قرار دولي تحت الفصل السابع إجماع الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن (روسيا، الصين، الولاياتالمتحدة، فرنسا وبريطانيا). إلا انه من المتوقّع ان تستخدم روسيا والصين حق النقض (الفيتو)، كمرات سابقة، لأنهما ترفضان اي تدخل في سورية انطلاقاً من مبدأ "احترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية." وقد استُخدم الفصل السابع في شباط/فبراير وآذار/مارس 2011 لإعطاء تفويض لحلف شمال الاطلسي للتدخل في ليبيا. وكان المبرر القانوني حينذاك حماية المدنيين. ولكن دول ال"بريكس" (روسيا والصين وجنوب افريقيا والبرازيل والهند) اتهمت الحلف الاطلسي بتجاوز التفويض المعطى له، والذي كان محدوداً بحماية المدنيين، ليصبح الهدف منه إسقاط نظام معمر القذافي. كما استُخدم الفصل السابع، في الماضي، خلال الحرب الكورية (1953) وحرب الخليج (1991). في الحالة السورية اذاً، التدخل العسكري عبر قرار صادر من مجلس الأمن تحت الفصل السابع يتطلب اتهام النظام السوري بواحد من الأعمال التالية: اولاً، خطر استخدام النظام السوري أسلحة دمار شامل، كما كانت الحال مع العراق في 2003. ثانياً، اعتبار سورية "دولة فاشلة" ولا يطبّق عليها مبدأ السيادة. ويمكن تحقيق هذا الشرط مع تمديد الأزمة وفقدان الجيش النظامي سيطرته على اقسام كبيرة من الأراضي السورية. اما ثالثاً، وهي الوسيلة التي تعمل على أساسها المعارضة السورية والجامعة العربية، التدخل الإنساني، باعتبار ان النظام يقوم بعمليات قتل جماعي ضد المدنيين. ولكن، عند تقاطع المصالح وتعارضها، تفقد القوانين قيمتها ووزنها، وتعود "وستفاليا" ومعاهداتها الى كتب التاريخ، وتمرّ الفصول ربيعاً بعد ربيع في انتظار فصل سابع. وفي زحمة الكلام، يموت مجهولون، لا دراية لهم في السياسة ولا علم لهم في القوانين، ويتناحر آخرون في صراع على السلطة والقيادة. فهل من نظام عالمي جديد يعدُل بين الناس والأمم؟