جاء استخدام روسيا والصين لحق النقض (الفيتو) في جلسة مجلس الأمن السبت الماضي ضد مشروع القرار العربي الذي يدين الانتهاكات في سورية مخيباً للآمال والتوقعات في الوقت الذي لايزال فيه تساقط الضحايا المدنيين في ازدياد. ومشروع القرار العربي الذي قدمته مملكة المغرب يدعم خطة المبادرة العربية التي تقضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية خلال شهرين تشارك فيها السلطة والمعارضة، كما تنص على تفويض الرئيس السوري بشار الأسد لنائبه الأول بصلاحيات كاملة؛ للقيام بالتعاون التام مع هذه الحكومة لتمكينها من أداء واجباتها في المرحلة الانتقالية، ويندد القرار بالانتهاكات لحقوق الإنسان التي يرتكبها النظام السوري. وكان مشروع القرار الذي تم التصويت ضده من قبل روسيا والصين، الذي سعى المجتمع الدولي من خلال عملية التفاوض على مسودته على تقديم تنازلات كبرى في صياغته من أجل تمريره محاباة لروسيا، حيث تم تعديله بحيث لا يشير النص صراحة إلى مصير بشار الأسد، كما أنه لم يتضمن أية عقوبات اقتصادية، وعلى الرغم من ذلك فشل القرار. وكان استخدام روسيا والصين لحق النقض مقابل تصويت الدول الأخرى ال13 في مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الذي يدعم خطة الجامعة العربية لتسوية الأزمة في سورية، الأمر الذي قوبل باستهجان واستنكار على المستوى السياسي والشعبي لدول العالم، حيث أعرب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عن «أسفه الشديد» للفيتو المزدوج الروسي الصيني ضد قرار في مجلس الأمن الدولي حول سورية». بينما صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون أن معارضة القرار تعني «تحمل مسؤولية الفظاعات التي تجري على الأرض في سورية». كما أعلن وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ أن روسيا والصين «يتخليان عن الشعب السوري ويشجعان نظام الرئيس الأسد الوحشي على ارتكاب المزيد من المجازر»، بينما ندد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالفيتو الروسي والصيني الذي «يقوض دور الأممالمتحدة والأسرة الدولية في هذه المرحلة، حيث ينبغي أن تسمع السلطات السورية صوتاً واحداً يدعو إلى وقف فوري لأعمال العنف التي تمارسها على الشعب السوري»، ووصف الفيتو الروسي والصيني بأنه «خيبة أمل كبرى لشعب سورية وللشرق الأوسط، ولجميع مناصري الديمقراطية وحقوق الإنسان». استخدام روسيا والصين لحق الفيتو لعرقلة صدور مشروع القرار العربي الذي يهدف لوضع حد للعنف والأزمة في سورية، يعيد إلى الأذهان أجواء الحرب الباردة التي خيمت على مجلس الأمن لعقود ومنعت الأممالمتحدة من اتخاذ مواقف إنسانية متمثلة في مجلس الأمن من التحرك وفقاً لمبادئها التي ينص عليها الميثاق في تحقيق السلم والأمن الدوليين وحماية حقوق الإنسان. وحق النقض (الفيتو) هو حق الاعتراض على أي قرار يقدم لمجلس الأمن دون إبداء أسباب، ويمنح للأعضاء الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن: روسيا، الصين، المملكة المتحدة، فرنسا، الولاياتالمتحدة. وحيث إن هذا النظام في التصويت هو نظام جائر في حد ذاته، لأنه شرع بيد القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، التي أرادت أن تكون لها سيادة فوق مستوى الإرادة الدولية المجتمعة ككل، من أجل الحفاظ على مكتسباتها السياسية، اتفقت القوى الخمس الكبرى المنتصرة في الحرب أن يكون لها سيادة فوق سيادة المنظمة الدولية متمثلة في حق النقض. وفي الوقت الذي تتعرض فيه روسيا لانتقاد شديد من قبل المجتمع الدولي لإفشال قرار يدين النظام في سورية لانتهاكات حقوق الإنسان، جدير بالذكر أن أكبر مستخدم لحق النقض الولاياتالمتحدة، حيث ساعدها هذا الحق لتقديم دعم سياسي للكيان الإسرائيلي بإفشال صدور أي قرار من مجلس الأمن يلزم إسرائيل بضرورة وقف احتلال الأراضي الفلسطينية وأعمال العنف ضد الشعب الفلسطيني واستخدام القوة كما حدث في حرب لبنان 2006م وقطاع غزة في نهاية عام 2008م مما أدى ذلك إلى الشك بمصداقية الأممالمتحدة بسبب الفيتو الأمريكي. مما يطرح إشكالية إصلاح الأممالمتحدة، ومراجعة حق النقض؛ لأن المجلس بشكله الحالي يعكس المشهد العالمي لما بعد الحرب العالمية الثانية ولا يعكس الواقع الدولي الراهن والتحديات التي يواجهها. الآن، تقترب الأزمة السورية على عامها الأول، ولا أثر في الأفق القريب لانفراج الأزمة، الحلول المطروح على الطاولة، تستدعي إعادة صياغة القرار والتفاوض مع روسيا والصين من جديد، أو العمل على التحرك من خارج مظلة الأممالمتحدة، أو العودة مرة أخرى إلى قبة الجامعة العربية، وإرسال بعثة مراقبين جدد بمساعدة فريق من الأممالمتحدة. وكما قال والدنا العزيز الملك عبد الله من خلال كلمته التي ألقاها في الافتتاح الرسمي للمهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية» في دورته السابعة والعشرين «كنا نعتقد أن الأممالمتحدة تنصف.. ما حدث لا يبشر بالخير، ثقة العالم بالأممالمتحدة اهتزت». في إشارة لانتقاد استخدام روسيا والصين لحق النقض ضد مشروع القرار العربي في مجلس الأمن. كما قال إن العالم لا يمكن أن تحكمه عدة دول، ومعتبراً أن ما حدث أخيراً بشأن القرار السوري بادرة غير محمودة، لأنه لا يصلح أن تحكم عدة دول العالم، وأنه يجب أن يحكم العالم العقل والأخلاق والإنصاف من المعتدي، وليس من قام بمثل هذه الأعمال». وحيث ما يبدو أن ستة آلاف ضحية لعمليات القمع والقتل اللذين يتعرض لهما الشعب الشقيق في سورية ليست بعدد كافٍ في نظر روسيا والصين لاتخاذ إجراء يهدد بقلب النظام الحاكم في سورية الذي تتمسك روسيا والصين على التأكيد على سيادته واستقلاله، فكم ضحية لابد أن تسقط قبل أن تستيقظ ضمائر القوى الدولية؟