تبدو إشكالية التدخل الدولي في سوريا ذات أبعاد معقدة ومتداخلة؛ إذ إن ثمة اعتبارات ومصالح تحد من هذا التدخل لصالح الثورة السورية، ولا أدل على ذلك من أنه عندما توجهت الدول الغربية إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار يدين قمع النظام السوري للاحتجاجات الشعبية المستمرة منذ سبعة أشهر، كان الفيتو الروسي والصيني أكثر من متوقع. فمشروع القرار الذي تقدمت به كل من فرنسا وبريطانيا وأيرلندا وألمانيا والبرتغال، وصوت لصالحه تسع دول، بينما امتنعت الهند وجنوب إفريقيا والبرازيل ولبنان، كان يدعو السلطات السورية إلى الوقف الفوري لانتهاكات حقوق الإنسان، والامتثال لالتزاماتها بموجب القانون الدولي المعمول به.كما دعا إلى عملية إصلاح سياسية شاملة تتلاقى والتطلعات والمخاوف المشروعة لشعب سوريا. وكان يفترض أيضا اعتماد تدابير محددة الهدف بموجب المادة 41 من الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، إذا لم تمتثل له القيادة السورية. إن هذا التعثر في التدخل الدولي في سوريا على عكس الحالة الليبية ليستدعي محاولة لفهم مواقف القوى الدولية من نظام بشار الأسد، وطبيعة سلوك تلك القوى تجاهه. بررت روسيا رفضها لمشروع القرار السالف ذكره ضد سوريا باعتباره يمثل تدخلا في الشأن السوري، لا يخدم مصالح الشعب وينتقص من سيادة الدولة السورية. حيث أبقى الروس على سياستهم التقليدية في حماية حلفائهم.كما أن توقيع أية عقوبات اقتصادية أو عسكرية على سوريا سيضر للغاية بالصناعات الحربية الروسية؛ التي تمد سوريا بالسلاح والذخائر.وقد استقبلت موسكو أكثر من ثلاثة وفود للمعارضة السورية، دون أن تتمكن هذه الأخيرة من تغيير موقفها من النظام السوري الحليف.من ناحيتها، تبنت الصين موقفا مشابها، حيث يعتبر النظام السوري حليفا مهما للصين حاول محاكاة نموذجها السياسي المنغلق واقتصادها المتنامي، دون أن يحقق نجاحا ملموسا في هذا الخصوص ,فسعي شعوب المنطقة للتحرر من سلطة الحزب الواحد؛ الذي يحتكر السلطة والثروة، يعتبر نموذجا معاكسا تماما لما تتبناه الصين أو تسعى للترويج له، كما أن وقوع نظام الأسد تحت طائلة العقوبات الاقتصادية، وخاصة النفطية الغربية، يعطي للصين مزية تفضيلية كشريك تجاري مهم لسوريا، يجعل شركاتها تحل محل العقود الأوروبية الملغاة. على عكس ما هو شائع، لا تبدو القوى الغربية حريصة فعلا على تغيير النظام السوري؛ بل تسعى حتى هذه اللحظة إلى تغيير سلوكه فقط، على رغم التصريحات النارية التي تطالبه بالتنحي. وبالمثل فإن الموقفين العربي والتركي ليسا ببعيد عن هذا السقف؛ فالولايات المتحدة وأوروبا قد فرضتا عقوبات اقتصادية غير دقيقة وغير مجدية، بحسب عدد من قادة المعارضة السورية نفسها. فضلا عن أن استصدار قرار أممي يدين قمع المظاهرات وإجراء إصلاحات، متوعدا بإجراءات تحت الفصل السابع ليس بالضرورة وارد التنفيذ. فعلى عكس نظام القذافي الذي كان يطلق تهديدات فارغة المضمون، تبدو تهديدات الأسد بإشعال المنطقة في حال تنفيذ هجوم عسكري غربي ضد نظامه قابلة للتصديق، وتستدعي حذرا دوليا. فقيام حرب أو حتى قصف جوي في بلد عربي مجاور لإسرائيل سيهدد بكل تأكيد الاستقرار الهش؛ الذي يسود المنطقة بعد عقد حافل بالحروب المتعاقبة.