لا يهم من سرب مسودة بيان قمة مجموعة العشرين، سواء كانوا الألمان في مجلة «دير شبيغل»، أم البريطانيين عبر «فاينانشال تايمز» على الانترنت، أو نحن السعوديون، إلا أن المهم هو ال 24 نقطة التي حواها. وسيتم من خلالها إصلاح الاقتصاد العالمي، لمساعدته حتى يتمكن من النمو بنهاية عام 2010. كان صندوق النقد الدولي يتوقع في قمة العشرين الأولى في واشنطن والتي خصصت للأزمة، آنذاك، نمواً عالمياً بنسبة 2.2 في المئة خلال عام 2009، وها هو اليوم ينذر بانكماش اقتصادي يترافق مع تقلص إجمالي الناتج الداخلي العالمي بنسبة 1 في المئة، وهو مؤشر أوجد لدى الدول الأوروبية الاستعداد لتقديم المزيد من التنازلات للحلول «الصعبة» المطروحة لإصلاح الاقتصاد العالمي. وأمام الدول الصناعية والناشئة الكبرى العشرين التي تمثل معاً 90 في المئة من الثروات العالمية، تنفيذ قائمة طويلة من الإجراءات لإنعاش الاقتصاد العالمي، في مقدمها: توفير نحو 20 مليون فرصة عمل جديدة وزيادة معدلات النمو الاقتصادي بنسبة 2 في المئة، من خلال دعم القطاع المصرفي، وزيادة الإنفاق العام، وتدبير أموال إضافية لصندوق النقد الدولي. ورأى أستاذ الاقتصاد الدكتور عبدالعزيز الهاشم أن صندوق النقد الدولي سيحظى باهتمام خاص من خلال مضاعفة موارده لتصل إلى 500 بليون دولار، مشيراً إلى أنه حين التقى وزراء مالية مجموعة العشرين في منتصف شهر آذار (مارس) الماضي في بريطانيا، اتفقوا على ضرورة تعزيز قدرة الصندوق على الإقراض بصورة كبيرة جداً، وبعد أسبوع من ذلك، قال قادة الاتحاد الأوروبي إنهم سيوفرون 75 بليون يورو (102 بليون دولار) لتوفير المزيد من الموارد لصندوق النقد الدولي من أجل مساعدة الاقتصاديات الناشئة المتضررة جراء الأزمة. وأضاف أن المتوقع أن يصدر المجتمعون الأغنى في العالم بياناً «متقن الصياغة، يشير إلى اتفاق حول مجمل القضايا التي تظهرهم راغبين في التضامن من اجل الاقتصاد العالمي»، مشيراً إلى أن الجميع سيقبل بضوابط عاجلة لتنظيم وإصلاح قوانين السوق، وإحكام الرقابة عليه، ما يساعدها على تسوية الخلاف حول الحاجة إلى مزيد من إنفاق الأموال العامة لمكافحة الركود العالمي، وهو احد أساسيات خطط الخروج من الأزمة. وأضاف أن الموافقة على إصلاح الهيكل المالي العالمي الذي تطالب به بعض الدول سيساعد أيضاً على علاج الاختلافات بين الدول الأعضاء بشأن الحاجة إلى ضخ مزيد من الأموال في الاقتصاد العالمي بغية تحفيز النمو وإذابة التجمد في أسواق القروض. وأشار إلى أن قادة مجموعة العشرين سيقومون - إضافة إلى إصلاح النظام المالي العالمي - بالدعوة إلى اتخاذ خطوات لحماية من يعانون الفقر من تداعيات اشتداد حدة الانكماش وإصدار تحذيرات صارمة حيال التهديدات التي يشكلها تغير المناخ والحمائية، وهو ما يرضي عشرات الآلاف من الذين بدأوا التظاهر مع بداية الأسبوع الجاري في لندن، مطالبين بإيجاد حلول للبطالة والبيئة. من جانبه، قال الاقتصادي نظير العبداللهإأن مهمة قادة مجموعة العشرين تزداد صعوبة مع زيادة التقارير التي تتحدث عن استمرار تردي الاقتصاد العالمي، ومزيد من الانكماش، وضعف الإجراءات لمتخذي حتى الآن في الحد من ضراوة الركود الذي يزداد يوماً بعد آخر، مؤكداً أن التقارير الدولية التي أطاحت بآمال تراجع الانكماش الاقتصادي خلال الأشهر المقبلة، زادت من ضراوة الصعوبات أمام «القمة»، وبخاصة مع حدوث أدلة ملموسة أن الركود بدأ يحكم الخناق في خضم فيض من البيانات الاقتصادية الكارثية وقرارات الاستغناء عن العمال، وزيادة طوابير العاطلين في قوائم الدول الصناعية، ما يزيد الثقل على العجز في موازناتها. وأوضح أنه في مؤشر على أن الانكماش يكتسب زخماً فإن اجتماع مجموعة العشرين يتواكب مع تكهنات بإعلان البنك المركزي الأوروبي عن خفض آخر في أسعار الفائدة الأساسية بواقع 50 نقطة أساس، ويأتي ذلك عقب تقارير تظهر تراجعاً هائلاً في الصادرات اليابانية بنسبة 50 في المئة تقريباً في شباط (فبراير) الماضي، وانخفاض مؤشر ثقة رجال الأعمال في ألمانيا لأدنى مستوى له في غضون نحو 26 عاماً، وانكماش الاقتصاد الأميركي بنسبة 6.3 في المئة في الربع الأخير من عام 2008. وأكد أنه على رغم الصورة القاتمة عن الوضع الاقتصادي العالمي، إلا أنه من المرجح أن تكون القمة تاريخية بالفعل، من خلال الخطط التي سيتم الاتفاق عليها لإخضاع الضوابط المالية العالمية لتتماشي مع التغييرات التي أطلقتها العولمة المتسارعة الخطى، بزيادة نواحي الإشراف المنسق على السوق وغلق الفجوات في نظم الرقابة والضبط، فضلاً عن مجموعة كبيرة من الضوابط والمحفزات التي سيتم إطلاقها بناء على القمة، وكذلك الأمل في تجنب انهيار مالي آخر من خلال فرض تنظيم أكثر صرامة، وتشديد الرقابة الدولية، وضمان أن تكافح الدول في جميع أنحاء العالم الركود عن طريق تحفيز الطلب. وأوضح أن إشارة بعض الزعماء حول إمكان أن تكون هناك قمة أخرى خلال العام الحالي تحمل الكثير من الصدقية، لأنها تتحدث عن «صياغة عالمية جديدة لأسواق المال، ولن تستطيع إنهاءها في قمة لندن فقط».