تشرفت بزيارة جامعة حائل الأسبوع الماضي، تلبية لدعوة مدير الجامعة الدكتور خليل بن إبراهيم البراهيم، إذ أعادتني هذه الزيارة إلى ذكريات عام 1396ه، عندما كنت طالباً بالمرحلة الثانوية وقدمت لمدينة حائل، وبالتحديد في حي الزبارة، وأمضيت فترة لدى الأخ الكبير محمد بن مذهان العبدلي، لإنهاء بعض المتطلبات التي استوجبت إقامتي في حائل، وكانت المدينة في ذلك الوقت تعتبر ناشئة وطامحة في الوقت نفسه، ولكن من يرى حائل اليوم، خصوصاً في فترة الأعوام السبعة الأخيرة، يشعر أنه أمام مدينة ناهضة سيكون لها مستقبل كبير إن شاء الله. قرار خادم الحرمين الشريفين في ربيع الثاني من عام 1426، (7 كانون الثاني/ يناير 2005)، بإنشاء جامعة حائل وغيرها من الجامعات في مختلف مناطق المملكة، كان قراراً استراتيجياً بكل ما تعنيه هذه الكلمة، إذ تضم هذه الجامعة جميع كليات التخصصات الصحية من الطب وغيرها، وكذلك التخصصات العلمية كالهندسة والعلوم والحاسب، والكليات الإنسانية كالآداب والتربية، إضافة إلى كلية المجتمع، ويبلغ عدد طلابها لمرحلة البكالوريوس ما يقارب 33000 طالب وطالبة، ونحو 155 في مرحلة الماجستير، إضافة إلى 267 مبتعثاً، وأكثر من 2100 عضو هيئة تدريس، ما يجعل من هذه الجامعة مشروعاً تنموياً حضارياً تنعكس آثاره، ليس فقط على مستوى منطقة حائل، بل على مستوى الوطن ككل، ولذلك يتفق الجميع على أن انعكاس أي مشروع تنموي في أي منطقة من مناطق المملكة لن تقتصر آثاره الإيجابية على تلك المنطقة فقط، بل ستشمل المناطق كافة ومكونات الوطن كاملة. قمت بجولة في المدينة الجامعية لجامعة حائل، التي تمتد على مساحة تقدر بنحو عشرة كيلو مترات مربعة، التي ستنتق لها جميع الكليات الصحية والعلمية والإنسانية، إضافة إلى الخدمات الأخرى الملحقة بها، كالمستشفى الجامعي إذ جارٍ العمل به، والفندق الذي يقع في مدخل المدينة الجامعية، ما يجعل من هذه الجامعة مشروعاً تنموياً حضارياً يخدم حائل، سواء في التعليم أو في خلق فرص العمل، وتأهيل العاملين، لذلك نرى أن من ينهي دراسته الثانوية في منطقة حائل لديه الفرصة الكبيرة والمؤكدة بأن يكون قبوله في جامعتها، إلا إذا بحث عن تخصص غير موجود في الجامعة، أو لديه هدف آخر، كما أن فرصة العمل ستكون متاحة له في مدينة حائل، مع توفر المشاريع التنموية المختلفة فيها، ولذلك نرى أن مدينة حائل والمنطقة ستنمو سكانياً بدل أن تضمر لوجود الفرص التعليمية والوظيفية فيها، وحتى الاستثمارية كذلك. أظهر إنشاء الجامعة الكثير من الجوانب الإيجابية التي تصب في النهاية لمصلحة المنطقة والوطن، فمثلاً وجود كرسي الشيخ الجميعة للتنمية المستدامة في المجتمعات الزراعية، أحد المؤشرات الإيجابية لوجود الجامعة، فمن ناحية، يشكر الشيخ على بن محمد الجميعة على هذا الكرسي، وتشكر جامعة حائل على احتضانها له، الذي لولا وجود الجامعة لما وجد هذا الكرسي، وسيسهم في تنمية الإنسان بشكل يجعله منتجاً ومتفاعلاً، وكذلك وجود كلية السياحة والآثار، منطقي في الجامعة، فالمنطقة لديها المناخ الجيد، والتنوع البيئي، فالجبال والنفود والمزارع، ما جعل المنطقة تستضيف رالي حائل الشهير، إضافة إلى احتواء المنطقة على الآثار الكثيرة والمميزة في المنطقة، فطريق عقدة بين الجبال، يستهوي الكثير من السياح ومغامري الرحلات، مثلما يستهويهم طريق النفود الممتد بين حائل والجوف، ومشاهدة مدينة جبة كواحة وسط بحر من رمال النفود، لذلك المنطقة غنية بالآثار والأماكن السياحية فقط تنتظر المستثمرين. أظهرت جامعة حائل تفاعلاً وتعاوناً في تنمية علاقاتها مع المجتمع، فقد قامت الجامعة باحتضان الطلاب الموهوبين في «برامج إثراء» من خلال الاتفاق بين جامعة حائل، ممثلة في عمادة شؤون الطلاب والإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة حائل، وهو الدور الذي يجب أن تلعبه أي جامعة من خلال التأثير والتأثر، فالتعاون بين المؤسسات في المنطقة، ينعكس على مصلحة المواطن فيها، والجامعات تلعب دوراً تعليمياً وتثقيفياً وتنموياً في هذا المجال، ما يجعل وجودها والاهتمام بها مصلحة وطنية كبيرة جداً، بل هي مصلحة استراتيجية. يعتقد الكثير من الخبراء في التعليم والتنمية، أن قرارات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإنشاء الجامعات في جميع مناطق المملكة، انعكس بشكل كبير جداً على التنمية المستدامة واستقرار المواطن، إذ أوقف الزحف في البحث عن التعليم وفرص العمل عن المدن الرئيسة الثلاث (الرياضوجدة والدمام) ووطّن التعليم وفرص العمل في مناطق المملكة كافة، فلنتخيل لولا وجود جامعة حائل في المنطقة، لزحف ال«33» ألف طالب إلى المدن الثلاث آنفة الذكر بحثاً عن التعليم، وكذلك لزاد عليهم موظفو الجامعة «الآلاف الثلاثة»، وشكلوا ضغطاً على البنية التحتية في تلك المدن، ولذلك لا ينظر إلى قرار إنشاء الجامعات كقرار لإنشاء مؤسسة تعليمية فقط، بل هو قرار تنموي استراتيجي، يجب أن ينظر له من هذا الجانب. الكثير من دول العالم تنشئ مدناً جامعية، أو مصانع منتجة لتنمية مدينة أو منطقة، فالولاياتالمتحدة الأميركية انتهجت هذا النهج، بعد أن رأت الزحف على المدن الرئيسة الكبيرة، وما يشكله هذا الزحف من ضغط على الخدمات في تلك المدن، ولذلك قامت بتنمية المدن المتوسطة والصغيرة، فمثلاً عندما كنت في الولاياتالمتحدة الأميركية لتحضير الماجستير والدكتوراه، درست في جامعة أوهايو بمدينة أثينز التي تعتبر بلدة، ولا يوجد فيها غير الجامعة، وتعتمد المدينة على هذه الجامعة كمشروع تنموي، فالبلدة وسكانها يعملون في الجامعة، كل ضمن اختصاصه ومهاراته، ومثلها من المدن الكثير، التي إما يكون لديها جامعة أو مصنع أو أي مشروع تنموي آخر. أعتقد بأن جامعة حائل ستكون مؤثرة جداً في المنطقة، خصوصاً بعد استكمال المشاريع الأخرى في المنطقة كالمدينة الاقتصادية وسكة القطار، ومشاريع التعدين، وانتهاء مشاريع شبكة الطرق المختلفة التي ستجعل منها مركزاً لالتقاء الطرق من مختلف مناطق المملكة. والسؤال المطروح هو: متى نرى إنشاء الجامعات في المحافظات الكبرى مثل القريات وحفر الباطن وبيشة وغيرها، لتستكمل التنمية مسيرتها؟ * أكاديمي سعودي. [email protected]