يبقى رد الفعل الدولي على كل مجزرة ترتكب في سورية قاصراً عن التعاطي مع مستوى الحدث والأرواح التي تزهق بدم بارد دفاعاً عن نظام بات مستحيلاً أن يستمر إلا بقوة القتل الذي يستولد القتل. وإذا كانت مجزرة الحولة في 26 أيار (مايو) الماضي استدعت قراراً من الدول الغربية بطرد السفراء السوريين من عواصم هذه الدول، في خطوة غير مسبوقة (لأنها تتناول السفراء وليس فقط ديبلوماسيين عاملين في هذه السفارات) فإن هذا الشكل من التعبير عن الغضب هو الحد الأقصى المتاح في ظل غياب أي موقف موحد ورادع من المجتمع الدولي. فالمجازر تتكرر تحديداً بسبب غياب أي ردع ولأن مرتكبيها يطمئنون الى محدودية فعالية أي موقف دولي يكتفي بالإدانة والاستنكار، وطالما أن الرئيس الأميركي باراك أوباما يقول إنه ليس باستطاعة بلاده أن تضع حداً لكل الفظاعات في العالم. وإذا كان التعبير عن العجز لدى واشنطن هو ما يحكم موقفها، ويشجع التشكيلات العسكرية والميليشيوية التي أنشأها النظام السوري على المزيد من الترويع وسفك الدماء، فإن الموقف الروسي الذي ينحي باللائمة على المجموعات المسلحة وعلى تحريض بعض الدول على التدخل الخارجي متهماً إياها بأنها سبب المجازر، فإن موقف موسكو يشكل تبريراً مفضوحاً، هو الآخر للوحشية غير المسبوقة التي يمارسها النظام الحليف لها. صحيح أن طرد السفراء السوريين من عواصم الدول الغربية يرمز الى موقف نهائي من هذه الدول، حاسم، ضد بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة. فطرد السفير يعني رفض أوراق اعتماده التي يحملها من رئيسه الى رئيس البلد المضيف. والطرد يعني عدم الاعتراف بالرئيس الذي فوّض سفيره الى هذه الدولة أو تلك، وقد يكون هذا الإجراء هو الأكثر وضوحاً بأن على أركان النظام السوري وحلفائه، لا سيما روسيا والصين وإيران، أن يغادروا مراهناتهم على أن الدول الغربية يمكن أن تقر باستمرار وجود الأسد على رأس السلطة في سورية، وبأن عملية الانتقال السياسي التي تدعو الدول الغربيةروسيا الى التوافق عليها تنطلق من التسليم بذهاب الأسد. إلا أن أركان النظام ليسوا في وارد تلقي الرسالة التي تنطوي عليها عملية طرد السفراء. والدليل أن العقل البعثي رد على ذلك بإجراء عبثي، قضى بطرد سفراء الدول الغربية. أي أن النظام السوري سحب اعترافه بشرعية رؤساء أميركا وتركيا وفرنسا وملكة بريطانيا. إنها عبثية مضحكة، بموازاة العبثية المحزنة، أمام مناظر المجازر المتنقلة، من الحولة الى مزرعة القبير وقبلها دير الزور وإدلب وغيرها من المجازر. ومثلما هي عبثية، تلك المناورة الإعلامية الروسية التي ترفض التوافق على خطوات سياسية موحدة من المجتمع الدولي حيال النظام السوري، تحت مظلة إعلان موسكو أنها لا تعتبر بقاء الأسد شرطاً للحل، فإن تبرير المجازر بوجود المجموعات الإرهابية والمسلحة لا يقل عبثية، لأن الامتناع عن تحرك متعدد الأطراف حيال النظام نتيجته العملية بقاء النظام ورأسه. بل هو تغطية كاملة لمنطق النظام القائم على التمسك بالبقاء الذي يعني زوال الآخرين الذين سماهم الرئيس السوري «العدو الداخلي»، لا الإقبال على تسوية معهم كممثلين لشعب ثائر، حول الانتقال السياسي الذي كان متاحاً قبل أشهر، حين انطلقت مبادرات الجامعة العربية وخطة كوفي أنان. لا تأبه موسكو لتداعي تبريراتها أمام واقعة منع جيش النظام السوري للمراقبين الدوليين من دخول مزرعة القبير أمس، وغيرها من الوقائع، بل هي تلعب لعبة النظام نفسه، وتستخدم حججه وتفسيراته للأحداث التي تذهب الى حد إنكار وجود ثورة وثوار. وهو إنكار يسهل من بعده الاقتناع، أو إقناع النفس، بأن إبادة المعارضين خطوة طبيعية مقابل مطلب زوال الحاكم الأوحد، وأن حصول مجازر هو من «الأضرار الجانبية» في صراع ترى موسكو أنه بين دول ومجموعات إرهابية وبين النظام القائم في دمشق. فهل يستأهل سعي موسكو الى حفظ مصالحها في المنطقة وقلقها غير المبرر من تولي الإسلاميين السلطة في سورية (ومن تقدمهم في انتخابات ديموقراطية في عدد من الدول العربية)، ورغبتها في تنازلات من الولاياتالمتحدة في أوروبا حول الدرع الصاروخية ودعم جمهورية جورجيا، أن تغض النظر عن هذا القدر من المجازر؟