لست من الغرور أو الغباء أن أمارس ما أشكو منه، وكل ما أقول هو أنني لم أفهم الحكم على الرئيس حسني مبارك، فالقاضي أحمد رفعت تحدث عن شهود زور مثَلوا أمامه، وقال إن الادعاء لم يقدم أدلة تدين الرئيس السابق، ومع ذلك حكم عليه بالسجن مدى الحياة، والسبب ما لم يفعل حسني مبارك لا ما فعل، إذا كنت فهمت نص الحكم. كلام القاضي أحمد رفعت يدينه، فهو موقف سياسي وليس حكماً قانونياً، والقاضي بدا طرفاً ومع فريق ضد فريق ومن دون الحيادية المفترضة في قاضٍ كبير، فتحدث عن عهد مبارك ووصفه بأنه «ظلام دامس حالك أسود أسود أسود» ثم تحدث عن «بزوغ صباح» الثلثاء 25/1/2011. هذا خطاب سياسي. أسجل رأيي الشخصي في القاضي والحكم من دون أن أطلب إقصاء القاضي فهو في سبيل التقاعد، أو إلغاء الحكم فالقضاء المصري يعرف حتماً أكثر مني. وما سبق مقدمة لموضوعي اليوم وهو غياب الديموقراطية في مصر، فالثورة كانت طلباً للديموقراطية قبل أي شيء آخر، غير أن شباب الثورة تفرقوا في أكثر من مئة جماعة وتنظيم وحزب، وهم الآن يشكون من ضياع ثورة لا يرون أنهم ضيعوها قبل غيرهم، ثم يدعون إلى مليونية بعد مليونية، ضد القضاء كأنهم يفهمون أكثر من قضاة مصر، وضد نتائج الانتخابات. قلت إنني أبديت رأياً في الحكم من دون أن أطالب بشيء ثم أجد أن محمد مرسي الذي قد يصبح هذا الشهر رئيس مصر يقول إن دم الشهداء أمانة في عنقه (لماذا عنقه هو؟) ويدعو إلى إعادة المحاكمة عبر تقديم أدلة اتهام وافية للقضاء، ولا يشرح لماذا لم يقدمها والمحاكمة بدأت في 3/8/2011. بل أن محمد مرسي دعا في مناسبة ثانية إلى دَوس «فلول» النظام السابق بالأقدام. وتحدث بلهجة مماثلة الأخ عصام العريان الذي كنت أفضّله مرشحاً عن الأخوان المسلمين لأنه أوسع خبرة من مرسي وأقل تشدداً، وقال إن الأدلة التي تُدين مبارك لم تقدم إلى المحكمة، وأسأله هو أيضاً لماذا لم يقدمها؟ كانت هناك دعوة إلى مليونية في ميدان التحرير احتجاجاً على نتائج الدورة الأولى من الانتخابات، وعلى نجاة مبارك من الإعدام، ولم يتجاوز الحضور بضعة ألوف. ثم جاءت دعوة أخرى ليزداد الحضور أضعافاً مضاعفة، بمشاركة الإخوان المسلمين، والمشاركون يدعون أنهم يعرفون ما لا يعرف قاضٍ صاحب خبرة طويلة. ما يقول الحاضرون في المليونية إنهم لا يريدون ديموقراطية، وإنما يريدون أن يستبدلوا دكتاتوريتهم بدكتاتورية النظام السابق. فهم لا يرون غير رأيهم ولا يقبلون رأياً آخر، حتى لو صدر عن قاضٍ كبير. في غضون ذلك لا يزال الإخوان المسلمون يحاولون الاستيلاء على مؤسسات الدولة عبر سيطرتهم على مجلس الشعب، وقد هاجمت قوى سياسية وأحزاب معايير تشكيل الجمعية التأسيسية المكلفة وضع مشروع الدستور الجديد كما أقرّته لجنة الشؤون التشريعية والدستورية في مجلس الشعب واعتبرته محاولة للانفراد بتشكيل الجمعية. ومن المشترعين إلى ناخبيهم. فالاحتجاج على فوز محمد مرسي وأحمد شفيق في الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة يعني أن المحتجين يرفضون تصويت حوالى عشرة ملايين ناخب لهذين المرشحَيْن. وعبدالمنعم أبو الفتوح، على رغم اعتداله المعروف، لا يزال يطالب بعزل أحمد شفيق كأنه يعرف أكثر من القضاة واللجنة العليا للانتخابات، كما أن مجهولين أحرقوا المقر الانتخابي لأحمد شفيق في اعتداء على الديموقراطية قبل أن يكون اعتداء على المرشح. في غضون ذلك مفتي مصر الدكتور علي جمعة دعا إلى المشاركة في الانتخابات كواجب وطني وحذر من محاولة التأثير في الناخبين باسم الدِين أو الرشاوى. وهو بذلك كرر موقفاً معلناً للأزهر الشريف. غير أن خطاب الإخوان المسلمين في الانتخابات يبقى دينياً في الأساس والجمعية الشرعية للعاملين بالكتاب والسنّة أيدت مرسي، كذلك أعلن الشيخ محمد ابن الدكتور عمر عبدالرحمن أن والده يؤيد مرسي باعتباره يمثل الإسلام والثورة. والشيخ محمد المحلاوي خطيب الثورة في الإسكندرية قال إن الذين انتخبوا مرشحاً غير مرسي في الدورة الأولى ارتكبوا خطأ وشهادة زور يعاقب عليها الدين، ويحتاجون إلى توبة باختيار مرسي في الدورة الثانية. هذا مع الفتاوى اليومية لانتخاب مرشح الإخوان المسلمين ليس ديموقراطية بل اعتداء على أبسط مظاهرها، أو حرية الرأي. [email protected]