تتوالى قصص عن نساء طُلِّقن من دون علمهن. فوجئن بعد عِشْرة طالت أو قصرت بأنفسهن مطلقات، من دون أن يُبلّغن. فتلك علمت صدفة، وأخرى بعد أيام وأشهر، وربما سنوات! وبعد أن كانت المشكلات تولد من رحم «زيجات السر»، باتت تولد من «طلاقات السر». يستمر الخلاف على مدى جواز الطلاق الغيابي، من عدمه، بين رأي يرى وجوب الإشهار في الطلاق والرجعة والعدة، ولا سيما في عصر كثُر فيه طلاق النساء غيابياً، ورأي يتهاون في الأمر على أساس أنه أمر غير واجب، ورأي يقول: «إذا طلق الزوج زوجته من دون أن يبلغها، فيحق لها التقدم بدعوى الضرر». وفي حين يرى قاضٍ سابق أن المحكمة غير ملزمة «نظامياً» بتبليغ المرأة طلاقها، يرفض المستشار القانوني خالد الشهراني تصنيف «الطلاق الغيابي» ضمن أنواع الطلاق، مبيناً أن «الفقهاء يقسمون الطلاق في شكل عام إلى أقسام، فالطلاق باعتبار حكمه «سني وبدعي»، وباعتبار صيغته «منجز ومعلق»، وباعتبار أثره، وما يترتب عليه «بائن ورجعي» فضلاً عن تقسيمات أخرى لدى بعض الفقهاء». وبين هذه الآراء تظل المرأة المطلّقة من دون علمها «الضحية» التي يمكن أن تُستَغل ويُغرَّر بها، إضافة إلى عذابات البحث عن حقوقها من نفقة ومؤخَّر إن وُجد، ما يدفع بعضهن إلى التنازل عن حقوقهن بسبب صعوبة الإجراءات وقلّة جدواها، فضلاً عن ضعف درايتهن بحقوقهن ما بعد الطلاق وفق مختصين وحقوقيين. قصص طلاق غيابية ذات طابع «مأسوي»، تصل إلى مكاتب المحامين، مؤكدة الحاجة إلى سنّ قانون يجبر المحاكم على التواصل مع المرأة، وإطلاعها على أمر طلاقها، نظراً إلى التبعات التي تلي الطلاق الغيابي. تبيّن ل نورة بعد سنة من هجران زوجها إياها أنها «مُطلقة» منذ اليوم الأول الذي قرر فيه الزوج ترك عش الزوجية. وتقول: «تقع بين الأزواج إشكالات عدة، إلا أن أمر الطلاق من دون التصريح به من الزوج يبقى مُستبعداً. ولم أكن أعلم أن الطلاق قد يقع من دون علمي، ولا أقول استشارتي». نورة التي لم يدم زواجها أربع سنوات، سافر زوجها إلى خارج البلاد. حاولت التواصل معه أكثر من مرة، إلا أنه كان «يرفض النقاش»، ليُخبرها بعد مرور عام، أنه طلّقها منذ اليوم الأول على هجرانه لها. وتتساءل: «لو لم أكن موظفة، فكيف ستكون حالي أنا وأبنائي؟»، مضيفة: «لم تبلغني المحكمة بأمر طلاقي، كي أعتد، كما لم يخبروني عن النفقة التي أستحقها ويستحقها أبنائي، وعند الاتصال بأحد القضاة، قال: إن عدة المطلقة تبدأ من وقت علمها بالطلاق». ولزمت نورة الصمت حيال حقها وحق أبنائها الثلاثة في النفقة، لأن «إجراءاتها طويلة، وقد لا يرضخ الزوج بسهولة، ويسلم بدفع النفقة». وتستغرب ما يسمى ب «الطلاق الغيابي»، قائلة: «من المخزي أن تجهل المرأة أبسط حقوقها، ومن المخجل أن تُطلَّق من دون علمها، وكأنها قطعة أثاث، أراد الزوج الاستغناء عنها». وتقول سعاد التي علمت بطلاقها بعد مرور 15 يوماً من وقوعه: «أكثر ما آلمني أنه لم يصدر مني أي خطأ تجاه زوجي، فقد كان يخلق جواً من الإشكالات بيننا. مرّت على زواجنا ثلاث سنوات، وكانت ثمرته طفلاً واحداً، وفي أحد الأيام، كنتُ متوجهة إلى منزل أسرتي، على أن أعود مساءً إلى منزلي، ولكن فاجأني اتصال منه يأمرني بالبقاء في منزل أسرتي، وتقبلت الأمر. وقلت لعله يريدني أن أبقى حتى تمر العاصفة، ومر 15 يوماً، لم يأتِ خلالها لرؤيتي، أو حتى رؤية ابنه، وبعد اتصال أحد أشقائي به، أكد أنه طلقني قبل 15 يوماً، وبأن ورقة الطلاق لدى الشيخ الفلاني في المحكمة الفلانية». وتتساءل سعاد: «ألا يفترض بالمحكمة على الأقل أن تتولى إخباري، طالما أن هناك طلاقاً يسمى غيابياً؟». وعن النفقة، تقول: «بعد الطلاق لا يعود هناك أي أمر مهم تسعى الزوجة للحصول عليه، خصوصاً في ظلّ عدم وجود من يخبرها بطلاقها، ليخبرها بمستحقات نهاية الخدمة». ووفق أحد المحامين، فإن محكمة جدّة الجزئية، تسلمت دعوى مواطنة سعودية، تطلب فيها معاقبة طليقها على الوجه الشرعي، بتهمة «معاشرتها» عقب طلاقها من دون علمها. وذكرت المرأة في دعواها، أنها كانت على «خلاف من حين إلى آخر مع زوجها، وفي إحدى المرات، وبعد مشادّة بينهما، أبلغها زوجها أنه طلّقها، وأن صك طلاقها موجود في المحكمة، وعليها أن تذهب لاستلامه، وغادر المنزل». وأضاف المحامي الذي فضّل عدم ذكر اسمه: «ذهبت في اليوم التالي إلى المحكمة، للحصول على صك طلاقها، ففوجئت أن تاريخه كان قبل أربعة أشهر. وكان طلاقاً بائناً بينونة كبرى. أي لا تجوز له حتى تنكح زوجاً غيره، وأن زوجها لم يبلغها بالطلاق بتاتاً، وظلّ يعاشرها من دون أن تعلم أنها مطلقة منه». لكن عضو مجمع البحوث الإسلامية في مصر الدكتور عبدالمعطي بيومي، يؤكد في دراسة أعدها عن «الطلاق الغيابي وموقف الإسلام منه» أن «التشريع الإسلامي جعل القبول المشترك من الزوجين أساساً لبداية قيام الأسرة، كي تحقق غاياتها من إقامة بناء متكامل متكافل، تؤدى فيه الواجبات وتؤخذ فيه الحقوق بالتراضي والحب والثقة والأمان المتبادل». ويوضح أنه «لا يجوز أن يمسك أحد الزوجين وحده، بطرف البداية، لذلك وضع الإسلام تشريعات في يد كل من الزوجين، إذ وضع حق الطلاق في يد الرجل، ووضع حق الخلع في يد المرأة، وإن كان حذّر كلا الزوجين، من سوء استخدام الحقوق التي في أيديهم». وحول الطلاق الغيابي، يقول: «إن القرآن الكريم أمر بالإشهاد على الطلاق، وعلى الرجعة، حتى تستبين حدود الله. والإشهاد على الطلاق وعلى العدة والرجعة أمر واجب في عصرنا الذي عمّ فيه طلاق النساء من دون علمهن، والمنطق الذي قام عليه التشريع في اشتراط الإشهاد على الديون والمعاملات كما قال تعالى: «واشهدوا إذا تبايعتم». وكما جرت الأعراف بتوثيق العقود بالإشهاد، وبالتشريع الذي أجمع الأئمة على جعل الإشهاد فيه ركناً من أركان عقد الزواج». ويرى المختص الاجتماعي جعفر العيد أن ما يجري «استغلال سيئ لحق أعطي للرجل»، موضحاً: «الإسلام أنصف المرأة، وأعطاها حقوقها. وعندما أعطى الرجل حقّ القوامة والعصمة لم يأمره بالتعسف والتنكيل في المرأة، فهي شريكة حياة، وليست أسيرة». ويدعو العيد القضاة إلى «التأني في إصدار أحكام الطلاق، نظراً إلى ما يعتري الإنسان من حالات الغضب، وأن يحاولوا جعل الطلاق رجعياً وغير بائن، لمرة واحدة، لإمكان رجوع هذا الإنسان عن قراره»، مؤكداً تفعيل «لجان إصلاح ذات البين في المملكة، بحيث لا يجري الطلاق إلا بعد الحصول على رأي من لجنة الإصلاح، التي تقدم النصح للزوجين، أو التوصل إلى الانفصال، في حال صعوبة التعايش بينهما».