على إيقاع أغنية تحتفي بالحرية، اختارت هبة صالح بدء عرضها التفاعلي «صندوق أسود» في حجرة صغيرة مليئة بالبالونات الملوّنة، في مركز سعد زغلول الثقافي في القاهرة. يمتدّ على جدران الحجرة شريط مستطيل كأنه يزنّرها. شريط أبيض أشبه بشريط الأخبار الذي يزّيل شاشات القنوات الإخبارية. تدفعك الكلمات المكتوبة عليه بخط واضح إلى الخلط بينه وبين الشريط العازل الذي يحيط بمواقع العمل. الى جانب الحجرة ثمة صندوق مغطى بقماش أسود، وعلى كل شخص يدخل أن يختار أحد هذه البالونات الملقاة على الأرض ليكتب عليه. عليه أن يودعه حلمه، ثم يلقيه في الصندوق الذي لن يُفتح أبداً. هو صندوق الأحلام والأمنيات العزيزة التي قد لا تتحقق. مساحة للبوح. مكان لإيداع الأسرار التي لا يمكن أن تخرج إلى النور. اختارت صالح أن يكون الجمهور بطل العرض المستمر حتى السابع من حزيران (يونيو) الجاري. وانتقت لمشروعها عنوان الصندوق الأسود، لأنه يذكرها كما تقول بالصندوق الأسود في الطائرات والسفن الذي قد يحمل أسراراً لا نعرفها ولا تتاح لنا في كثير من الأحيان. يعتمد العرض في الأساس، على فكرة البوح بما نحمله جميعاً من أسرار. تمثّل في مجملها مجرد طموحات وأحلام مشروعة للجميع. قد نتشاركها، أو قد تتقاطع أحلامنا هذه مع أحلام الآخرين. هي أحلام وطموحات تستنفد طاقاتنا في النهاية. فقد نظل نحلم مراراً وتكراراً من دون أي أمل في تحقق أي من أحلامنا. وقد نتمسك بها أيضاً ونحوّلها إلى طاقة لا حدود لها، نستطيع من خلالها تغيير العالم. ولكن، إلى أن يتحقق ذلك، تظل أحلامنا وطموحاتنا وأوهامنا قابعة داخل هذا الصندوق الأسود الذي قد لا ينفتح أبداً. يحتمل العرض إسقاطات كثيرة على تماس مع الوضع السياسي في المنطقة العربية كلها. فقد يكون صندوق صالح الأسود، صندوق الاقتراع في الانتخابات التي هي الشغل الشاغل للمصريين هذه الأيام، أو صندوق المفاجآت التي تُخبّئها سياسات الأمم حول مصير الثورات العربية، أو صندوق النار التي قد تُلهب المنطقة في أي لحظة من اللحظات... فذلك الصندوق الذي يبدو شفافاً وكاشفاً، لا ينبئ عما في داخله. صندوق غامض كالقنبلة الموقوتة التي قد تنفجر وتقلب الأمور رأساً على عقب.