أظهرت دراسة ل «المكتب الدولي للعمل» في جنيف أن الشباب العربي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم يستفد كثيراً من نتائج ثورات «الربيع العربي» في مجال العمل والتوظيف، على رغم أنه كان من صناع الحراك الاجتماعي عند اندلاع الثورة في تونس نهاية عام 2010، قبل أن تمتد إلى مصر وليبيا وسورية ودول أخرى في المنطقة. وانعكس التراجع الاقتصادي والعجز المالي سلباً على سوق العمل، وزاد عدد العاطلين من العمل الشباب، خصوصاً الجامعيين منهم. وتناولت الدراسة سوء أحوال سوق العمل في العالم هذه السنة، وأظهرت أن بطالة الشباب في شمال أفريقيا زادت نحو خمسة في المئة إلى 27 في المئة، متجاوزة معدلات البطالة المتعارف عليها في العالم والمقدرة ب12,7 في المئة، وبلغت 21.5 في المئة في الجزائر ونحو 30 في المئة في مصر وتونس، و17 في المئة في المغرب، وهي تشمل كل الأعمار والمستويات الاجتماعية والثقافية والتعليمية. وزاد العدد في العالم هذه السنة نحو 75 مليوناً لدى الشباب، خصوصاً في أوروبا الغربية وأميركا اللاتينية وشمال أفريقيا وشرق أوروبا ووسطها. ولفتت إلى أن أربعة شبان من كل عشرة في المنطقة كانوا يشغلون خلال عام 2011 أعمالاً هشة لا تحقق عائدات كافية لمحاربة الفقر، في حين يعمل 40 في المئة منهم بأجور زهيدة لا تكفي لتغطية نفقاتهم الضرورية، ما يُجبر الشباب على السكن مع الأسرة. وعلى رغم أن حكومات المنطقة أنفقت 38 في المئة من مجموع المصاريف العامة على الأجور، إلا أنها لم تتغلب على مشكلة بطالة الشباب الذين تتزايد أعدادهم بكثرة في ظل اقتصادات ضعيفة الإنتاجية، والتنافسية الدولية. ويستحوذ القطاع العام على 29 في المئة من مجموع الوظائف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينما تصل النسبة إلى 40 في المئة في مصر و20 في المئة في الجزائر و11 في المئة في المغرب. ويمثل القطاع الزراعي أحد أكبر مجالات العمل في المنطقة بما نسبته 33 في المئة العام الماضي، مسبوقاً بقطاع الخدمات الذي يمثل 50 في المئة، إلا أن هذه المجالات لا توفر أجوراً كافية للخروج من الفقر، ما يعزّز النشاط غير المهيكل والأعمال الهامشية الضعيفة الإنتاجية والهجرة نحو المدن، خصوصاً في فترات الجفاف وتراجع المحصول. وفي وقت تراجعت قدرة القطاع العام على التوظيف، عجز القطاع الخاص عن امتصاص أعداد الباحثين الجدد عن عمل بسبب غياب الحوافز وضعف القوانين وعدم حماسة الجامعيين للعمل في القطاع الخاص نتيجة قلة الحماية الاجتماعية والاحتكام إلى الاتفاقات الدولية في مجال حماية حقوق العمال. وبيّنت الدراسة أن المنطقة تقع دون الحد الأدنى المقبول في مجال حجم العمل مقارنة بعدد السكان، إذ تبلغ النسبة 43,6 في المئة بينما يصل المعدل الدولي إلى 60,3 في المئة، ويبدو وضع الشباب أكثر سوءاً في منطقة ُتعاني تراجعاً في أداء الاقتصاد منذ «الربيع العربي». ضعف الحوكمة ويُعتبر ضعف اقتصادات دول المنطقة من الأسباب المباشرة لارتفاع معدلات البطالة، إضافة إلى ضعف الحوكمة وسوء تدبير الموارد وعدم ملاءمة التعليم حاجات السوق. وشدّدت الدراسة على أن الإنتاجية في المنطقة العربية زادت 22 في المئة على مدى العقدين الماضيين، مقارنة ب356 في المئة في منطقة شرق آسيا، وهي مرشحة للتفاوت في السنوات المقبلة، ما يحد من فرص خلق وظائف جديدة وتحسين الأجور ومحاربة الفقر، ويشكّل تحديات كبيرة في ظل مجتمعات شابة يصل فيها عدد الأطفال دون 16 سنة إلى 45 في المئة من السكان. وعلى رغم أن المنطقة أنفقت 11 في المئة من ناتجها الإجمالي على التغطية الصحية وتأمين التقاعد، وهذه من أعلى النسب عالمياً، إلا أن شريحة واسعة من السكان لا تستفيد من الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية الأساس، إذ لا تنفق تلك الدول سوى 2.5 في المئة على الصحة، وهي من الأدنى عالمياً. ويساهم النمو الديموغرافي المرتفع والهجرة الريفية في زيادة الأعباء الاجتماعية للحكومات المتعاقبة، التي عليها توفير فرص عمل جديدة، ومعالجة عجز صناديق التقاعد والتحوط الاجتماعي.