«لا أهاجم إلا قضايا مظفَّرة، حيث أكون وحيداً ولا حليفَ لي». نيتشه - 1 - الغيبُ في الثقافة العربيّة أساسُ الوجود. معنى ذلك أنّ الغيابَ اساسُ الحضور. - 2 - هل تريد أن تكون دائمَ الحضور؟ إذاً، مارِسْ دائماً العملَ الذي يغيِّب غيرَك، في كلّ شيء، وعلى جميع المستويات. - 3 - الفكرُ في ثقافة الغيب، كمثل العمل: أداةُ تغييب. وهو لذلك «مصلحة»، و «طريقة استخدام». الكلماتُ فيه «مطارق» و «فؤوسٌ» و «سيوفٌ». - 4 - الإنسانُ في ثقافة الغيب نفيٌ للإنسان. - 5 - عقلٌ يسبحُ في الغيب؟ كلاّ، غيبٌ يسبح في العقل. - 6 - الواقع في ثقافة الغيب لا يتحرّك. وهو ليس ثابتاً، ولا يثبت إلا في تأويلٍ غيبيّ. واقعٌ ليس إلا غيباً ثانياً يتحكّم به الغيبُ الأول. - 7 - لا معنى لأي شيء في ثقافة الغيب خارج السلطة والصراع الفاتك المتواصل من أجلها. - 8 - تقول ثقافة الغيب: من يمسك بزمام السلطة، يمسك بزمام الغيب والواقع معاً. - 9 - لا تُعقلَن سلطةٌ كهذه، حتى عندما تُقام باسم الديموقراطيّة. - 10 - السِّلمُ في هذه السلطة حربٌ مضمَرَة. - 11 - القتل هو الذي يسوس هذه السلطة. والوحشُ فيها هو الذي يقود الإنسان. القتلُ في الحالين يحكم الكون. - 12 - سياسةُ ناسوتٍ تقوم على اللاهوت: تلك هي ثقافة الغيب. - 13 - الغيب نسيانٌ للكينونة باسم الصيرورة. - 14 - الإنسانُ لعبةٌ في يدِ طفلٍ لا يُفطَمُ، اسمه الغيب. - 15 - أسمع الغيب يخاطب الإنسان: أيّها الفردُ - الجمعُ - الأحدُ، أنت لا أحد. - 16 - يقولُ هولديرلين: «حيث يكون الخطرُ يتكوّن ما ينقذ». لا مكان للإحساس بالخطر في ثقافة الغيب. على العكس، الوجودُ هو نفسُه التنابذُ والتقاتلُ، وهو التآكُل. - 17 - ما حقيقةُ السياسة عندنا نحن العرب؟ سؤالٌ مهمّ. السؤال الأكثر أهمية هو: ما سياسةُ الحقيقة؟ - 18 - «الشعبُ» في ثقافة الغيب هو، بدئيّاً، تفكّكٌ وانحلال. - 19 - ثقافة الغيب قاعدةٌ لاستعباد الجسد. الأساس الذي يقوم عليه هذا الاستعباد يكمنُ في جعل الجسد شيئاً، أداةً أو آلة، منتِجاً ومفيداً. والفرقُ هنا بين جسد الذكورة وجسد الأنوثة فرقٌ في الاستخدام وطرائقه. - 20 - الهمُّ الغيبيّ ليس همّاً معرفياً. إنه استلابٌ وجوديّ. وهو بوصفه كذلك، مرضٌ يتجلّى إما في وعيٍ زائفٍ، وإما في عُصابٍ قد لا يستطيع فرويد نفسُه أن يفهمه. - 21 - ليس الغيب في الثقافة العربية أو في الوعي العربي مجرّد حضورٍ نصّيٍّ أو نظريّ. إنه كذلك حضورٌ عمليّ، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. ويتجلّى، خصوصاً، في الدساتير، والقوانين، والقيَم. - 22 - ليس الإنسان في ثقافة الغيب هو من يفكّر. الغيبُ فيه هو الذي يفكّر، ويُملي أفكارَه على العمل. الإنسان في هذه الثقافة مجرّد آلة، ولا حاجة له إلا بوصفه آلة. - 23 - حين يفكّر الغيبُ، ينحجب العالم. - 24 - يتعذّر على الإنسان تحقيقُ أيّ شكل من أشكال التحرّر، في أيّ ميدان أو مجالٍ، إذا لم يتجاوز، على نحوٍ كاملٍ وشامل، ثقافةَ الغيب. - 25 - ثقافة عربيّة حديثة؟ مجرّد أباريقَ لاجترارِ ماء الغَيْب. - 26 - الغيبُ آلةُ اختزال: - اختزال الإنسان في السلطة، - اختزال الوجود في الاستهلاك، - اختزال الموت في القتْل. الموتُ نفسُه في ثقافة الغيب يصبح، كما يعبّر المتنبّي، « نوعاً من القتلِ». - 27 - لا أرضَ، لا إنسان في ثقافة الغيب: هناك نظامٌ وسلطةٌ وحرّاس. - 28 - لا سؤالَ في ثقافة الغيب، إذاً، لا فكر. - 29 - فكرٌ بلا فكر. هويّة بلا هويّة. زلزال الحولة ما حدث في قرية الحولة زلزالٌ إنسانيّ وأخلاقيّ. برهانٌ آخر ودامغ هذه المرة، على أنّ الإنسان ليست له أي قيمة في أرضٍ شهدت ولادة الإنسان المتحضّر الأول. وهو يندرج في سلسلة الأعمال المُنكَرة التاريخية التي تؤكّد أنّ الهيمنة على السلطة وشهوة هذه الهيمنة هما المدار الأساس للتاريخ السياسيّ العربي، قديماً وحديثاً. ومهما كانت وسائل التنصّل من ارتكاب هذا العمل المُنكَر، ومهما كانت نتائج التحقيق فيه، وأياً كان أصحابه ومن أية جهة جاء، فإن هذا العمل تمّ على أرض سورية، بأيدٍ سورية قتلت مواطنين سوريين. والمسؤولية، إذاً، هي مسؤولية سورية. وفي مثل هذه الحالة تتحمّل السلطة القائمة المسؤولية الوطنية والأخلاقية، بوصفها مرجع السوريين وحاميتهم جميعاً. إنّ رفض هذه المسؤولية يُفرغ السلطة والحكم من معناهما، ومن بُعدهما الاجتماعيّ الإنسانيّ، ويدرجهما في آليّة الطغيان الأعمى. إنّ انتصار ثقافة الطغيان والعنف في المجتمع ليس إلاّ اندحاراً شاملاً للعقل والحرية، وللإنسان والحياة.