«السلسلة التلفزيونية التي غيرت حيواتنا» بلغت ختامها. وطي السلسلات التلفزيونية الذائعة الصيت هو الحادثة الابرز في مسيرة التلفزيون الاميركي هذا العام. وتناولتها (الحادثة) وسائل الاعلام طوال اشهر، ودخلت حيز التنفيذ هذا الشهر. ففي 12 أيار (مايو) الجاري، تسمر 9.5 مليون أميركي أمام الشاشات الصغيرة لتوديع سيدات ويستيريا لاين، غابي ولينيت، وبرِي، شخصيات «ديسبيريت هاوس وايفز» (ربات منزل محبطات او على حافة الانيار). قال المشاهدون وداعاً لهذه النسوة اليائسات تارة والمتهورات تارة أخرى، إثر 8 أعوام من عرض السلسلة على التوالي. ولم يتسنَ للمشاهدين «فك حدادهم» على نساء ويستيريا لاين قبل أن يفارقهم فقيد آخر: سلسلة «هاوس» على اسم شخصيتها الابرز الطبيب النزق هاوس الذي يؤدي دوره هوغ لوري. ولا يخفى على أكبر شبكات البث التلفزيوني، «آي بي سي» و «سي بي أس» و «فوكس» و «أن بي سي»، أن اعلان «وفاة» مثل هذه السلسلات التلفزيونية هو منعطف يؤذن ببدء مرحلة جديدة: مرحلة سلسلات تلفزيونية أبخس كلفة وأقل دراماتيكية. وقررت «سي بي أس» وقف عرضها السلسلة الكلاسيكية الكبيرة «سي أس آي ميامي». ويرى روبرت تومبسون، مدير مركز بليير للتلفزيون والثقافة الشعبية في جامعة سياراكيوز «أن نموذجاً اقتصادياً جديداً يبصر النور في كبرى الشبكات التلفزيونية الاميركية». فالشبكات هذه تضطر الى تقليص طموحاتها جراء تعثر استقطاب جموع الجماهير في وقت تتجاذب الجمهور خيارات كثيرة بدءاً بالقنوات المشفرة والانترنت. ولم يعد في وسع شبكات التلفزيون الاميركية إنفاق الملايين على مسلسلات جديدة. ويرى مراقبون كثر ان سلسلة «ديسبيريت هاوس وايفز» نفسها هي «سلسلة انتقالية»، على رغم استقطابها 8 الى 10 ملايين مشاهد في كل فصل. ولكن السلسلة هذه لم تعرف نجاح سلسلات اخرى خلّفت أثراً بالغاً في تاريخ الشاشة الصغيرة مثل سلسلة «فراندز» (الاصدقاء). فالسلسلة هذه ارتقت رمز التسعينات على وجه المعمورة كلها. وإثر طيها، لم يعد ممكناً استقطاب أعداد ضخمة من المشاهدين. فشاغل الشبكات التلفزيونية الاميركية هو تذرر الجمهور وانقسامه. ومنذ عقد من الزمن، بدأت القنوات الفضائية المشفرة بمنافسة الشبكات هذه، وشبكة «آي بي سي» وشبكة «سي بي أس» على وجه التحديد، وتقويض هيمنتها في سوق المشاهدين من طريق انتاج سلسلات اكثر ابتكاراً وأكثر جاذبية. فهذه القنوات الفضائية تتخفف من قيود الرقابة على محتوى برامجها الجنسي وعلى خطابها. واستقطبت كل من سلسلة «آل سوبرانو» على «أتش بي أو» وسلسلة «دكستر» على «شوتايم» شريحة جديدة من المشاهدين الشباب الذي هجروا التلفزيون التقليدي. وفي مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، لم يتستر زاك فان أمبورغ، مدير في شركة «سوني بيكتشُرز»، على أن عدداً من المنتجين والممثلين يرفضون التعاون مع الشبكات التلفزيونية، ويستسيغون العمل في الشبكات المشفرة. ونشر معهد نيلسن دراسة في 3 الجاري تبعث على القلق. فعدد الاسر الاميركية التي تملك اجهزة الشاشة الصغيرة انخفض انخفاضاً كبيراً، وبلغ 114.7 مليون في 2009 بعدما كان 115.9 مليون في 2010. ونسبة الانخفاض هذه لا نظير لها في العقدين الاخيرين. فأعداد كبيرة من الناس صارت تستسيغ مشاهدة البرامج على الانترنت، وعزفت عن شراء التلفزيون. وفي آخر فصل من العام الماضي، صرف الاميركي العادي 153 ساعة و19 دقيقة على مشاهدة التلفزيون التقليدي، أي اقل ب46 دقيقة من المعدل المسجل قبل عام. ولم تقف الشبكات التلفزيونية مكتوفة ازاء هذه التغيرات. فعلى منبر مدونة «ميديا ديكودر» التي تستضيفها «نيويورك تايمز»، اعلن الناقد بيل كارتر ان «آي بي سي» ستعوض رحيل «ديسبيريت هاوس وايفز» من طريق انتاج 10 سلسلات جديدة لموسم 2012-2013، وأن شبكة «أن بي سي» ستعرض 16 سلسلة جديدة. ويبدو ان الشبكات التلفزيونية عازمة على خفض عدد فصول البرامج التلفزيونية في كل موسم لتقليص كلفة الانتاج وإفساحاً في المجال امام انتاج اعمال اخرى إذا لم تلقَ السلسلة الجديدة نجاحاً. وأفلحت «فوكس» في تجاوز المرحلة الانتقالية هذه، وأنتجت سلسلة «تاتش» بطولة كييفر سوثرلاند، نجم سلسلة «24 آورز كرونو»، عن قصة والد متفانٍ يعتني بابنه المتوحد الذي يحاول فهم العالم بوسائله الخاصة. * مراسل، عن ليبيراسيون» الفرنسية، 22/5/2012، اعداد منال نحاس