لا أنسى ذلك اليوم الذي لعب فيه منتخبا البرازيل وإيطاليا في كأس العالم بمدريد عام 1982 في الدور ربع النهائي، وفازت حينها إيطاليا بثلاثة أهداف «هاتريك»، سجلها باولو روسي «السجين السابق المعفى عنه خصيصاً من رئيس إيطاليا آنذاك لإنجاز مهمة الظفر بكأس العالم»، وقد فعلها وعاد روسي إلى روما بطلاً أسطورياً، وكنت حينها طفلاً مغرماً بإبداعات منتخب البرازيل المطعم بزيكو، وسقراط، وفالكاو، وجونيور، وغيرهم، وكان منتخب البرازيل يقدم آنذاك لعباً راقياً ممتعاً لا يجاريه أحد من حيث المتعة والإثارة، فكان لاعبوه المشاهير ينصبون «سيركاً» في الملعب، وقد كان المعلق الرياضي الشهير آنذاك «أكرم صالح» يلقب لاعبي المنتخب البرازيلي ب«الدكاترة» في لعبة كرة القدم، وفي تلك المباراة الشهيرة التي لعبها المنتخب الإيطالي مدافعاً أمام البرازيل، ومستغلاً الهجمات المرتدة التي حولت نتيجة المباراة لصالحه، أيقنت حينها أن كرة القدم لا تعترف بجمالية اللعب والمتعة، ولكن تعترف بالنتائج والأهداف. وقبل أيام تمكن الفريق «اللندني» تشلسي من انتزاع لقب «أبطال أوروبا» من النادي «البافاري» بايرن ميونيخ في عقر داره، وبين جماهيره، ومرة أخرى تعود «الطريقة الإيطالية» في انتزاع النتائج، وهذه المرة باختلاف الأسماء والزمن، فمدرب تشلسي الإيطالي دي ماتيو يبدو أنه من الأبناء المخلصين للطريقة الإيطالية العريقة، (الدفاع ثم الدفاع ثم الدفاع حتى يفرجها الله)، وهي طريقة ربما تحقق نتائج، ولكنها تقتل متعة كرة القدم، وتنفر المشاهد الذي يبحث عن متعة، وقضاء وقت جميل مع سويعات من منافسات كرة القدم، وقد تمكن دروغبا، ورفاقه من انتزاع اللقب الأهم على مستوى الأندية في العالم على حساب النادي البافاري، الذي لعب مباراة أفضل بكثير، وحقق المعجزة الثانية بعد المعجزة الأولى، التي تمثلت في تخطيه النادي الأفضل عالمياً برشلونة في الدور نصف النهائي أيضاً على الطريق الإيطالية نفسها. وقد دار جدل كبير في مقر كرة القدم العالمية «فيفا» في مدينة زيورخ السويسرية حول مسألة حسم المباريات الحساسة والمهمة، والسبب في هذا الجدل القائم هو اعتراض عدد من أبناء مدينة ميونيخ الألمانية المجاورة لمعقل كرة القدم في زيورخ على الطريقة التي توج بها غريمهم تشلسي معترضين على استمرارية «الركلات الترجيحية» كطريقة لحسم المباريات المفصلية، مؤكدين أنها لا تفرق كثيراً عن الطريقة القديمة في الحسم سابقاً بعدد الركلات الركنية، وقد لجأت منظمة «فيفا» لتطبيق مبدأ «الهدف الذهبي» في حسم المباريات، ولكن أيضاً تم الاعتراض عليه ورفضه بحجة أنه يمثل «موتاً مفاجئاً» للمباراة. وحتى يقوم المفكرون الكرويون باختراع طريقة مبتكرة لحسم المباريات، أتمنى أن يقوم القائمون على رياضة كرة القدم بتطبيق أفكار عدة تطويرية تزيد من متعة هذه اللعبة الشعبية، وتقلل من أخطائها ومشكلاتها، فمثلاً: إلى متى تعتمد نتيجة صفر- صفر؟ هل يعقل أن تحتشد جماهير لمشاهدة مباراة تنتهي بهكذا نتيجة؟ ومتى ينتهي الجدل حول التسلل، وتخطي الكرة خط المرمى؟ ولماذا لا يستعان بالتكنولوجيا أسوة بلعبة التنس؟ ولماذا لا يعاقب من يمرر الكرة للخلف مرات عدة، او يحتفظ بالكرة لوقت طويل، او يقتل اللعب مثل كرة السلة؟ ولماذا لا تحسم مباريات الكؤوس ذهاباً وإياباً؟ ولماذا لا تلغى ركلات الترجيح، ويتم اللجوء لنقاط الحكام مثلاً التي تمنح الفريق الأفضل أداء داخل الملعب مثل لعبة الملاكمة؟ كثيرة هي الأفكار، ولكن قليلة هي لحظات المتعة في كرة القدم! وتستحق حتماً أن نبحث عنها، ونستمتع بها، ونحافظ عليها من هجوم «الانتصارات على الطريقة الإيطالية». [email protected]