يبدو أنه بات قدراً أن يُحسم مصير مؤسسات الحكم في مصر عبر ساحات المحاكم، خصوصاً المحكمة الدستورية العليا التي تُمسك بتلابيب الأمور في البلاد، إذ يضع صعود الفريق أحمد شفيق رئيس آخر حكومات الرئيس المخلوع حسني مبارك إلى جولة الإعادة في انتخابات الرئاسة المقررة في 16 و 17 حزيران (يونيو) المقبل لينافس مرشح «الإخوان المسلمين» محمد مرسي، مستقبل الرئيس المقبل بغض النظر عن اسمه بين يدي المحكمة الدستورية. فخوض شفيق انتخابات الرئاسة أصلاً متوقف على حكم ستصدره المحكمة الدستورية العليا بعد إعلان نتائج انتخابات الرئاسة، إذ أن البرلمان كان أقر تعديلات على قانون مباشرة الحقوق السياسية تقضي بالحرمان من الحقوق السياسية لمدة عشر سنوات «لكل من عمل خلال السنوات العشر السابقة على 11 شباط (فبراير) عام 2011 رئيساً للجمهورية أو نائباً لرئيس الجمهورية أو رئيساً للوزراء أو رئيساً للحزب الوطني الديموقراطي المنحل أو أميناً عاماً له أو كان عضواً في مكتبه السياسي أو أمانته العامة»، وهي الشروط التي تنطبق على شفيق وتم بموجبها استبعاده من سباق الرئاسة بقرار من اللجنة العليا للانتخابات قبل أن تعيده اللجنة نفسها إلى السباق وتحيل تعديلات القانون على المحكمة الدستورية العليا بعد طعنه على قرار استبعاده. وقالت نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا القاضي تهاني الجبالي ل «الحياة» إنه «في حال فوز شفيق في انتخابات الرئاسة والحكم بدستورية تعديلات قانون مباشرة الحقوق السياسية، فإن انتخابات الرئاسة ستعاد حتماً». وأضافت أن «للحكم الدستوري قوته، فإن قضت المحكمة بدستورية التعديلات، فالأثر المباشر هو عدم دستورية الانتخابات وبالتالي تعاد العملية برمتها». وأوضحت أن «الحكم لن يصدر قبل إعلان نتائج جولة الإعادة التي يخوضها شفيق، إذ أن المحكمة تتعامل بشكل مجرد جداً وتحرر أي طعن من الظروف المحيطة به خصوصاً الضغوط السياسية»، مشيرة إلى أن «القضية في مرحلة التحضير ونلتزم في أي قضية بمواعيد محددة، إذ تمهل المحكمة طرفي الدعوى 45 يوماً لتقديم مذكراتهما ومستنداتهما ثم يقوم قلم الكُتاب بعرض ملف الدعوى على هيئة المفوضين التي تتولى تحضير الموضوع ثم تودع تقريراً تُحدد فيه المسائل الدستورية والقانونية المثارة ورأيها فيها قبل أن يحدد رئيس المحكمة خلال أسبوع من إيداع التقرير تاريخ بدء جلسات نظر الدعوى». وأكدت أن «هذه الإجراءات راسخة ولا يمكن استعجالها من أجل إصدار الحكم قبل جولة الإعادة». ورفضت القول إن نجاح شفيق قد يؤثر في الحكم الذي سيصدر من المحكمة إن فاز في الانتخابات. وقالت: «المحكمة الدستورية خاضت معارك عدة مع الرؤساء السابقين وهُددت في ظل حكم مبارك والسادات كما يهددها الإخوان الآن، ولن يستطيع أحد أن ينال منها ولا من نزاهة قضاتها وتجردهم». غير أن رئيس نادي القضاة السابق القاضي زكريا عبدالعزيز ذهب إلى ما هو أبعد مما قالته الجبالي، إذ أكد أن الحكم بدستورية قانون العزل السياسي سيترتب عليه حتماً إعادة إجراء انتخابات الرئاسة سواء فاز فيها شفيق أو مرسي. وقال عبدالعزيز ل «الحياة» إن الإجراء الذي اتخذته اللجنة العليا لانتخابات الرئاسة بإعادة شفيق إلى السباق «كان خطأ من البداية». وأضاف: «لو افترضنا صحة القول بأن اللجنة ذات اختصاص قضائي ويحق لها إحالة التعديلات على الدستورية العليا، فإن تلك الإحالة تقتضي وقف نظر الدعوى وعدم اتخاذ قرار فيها، لكن اللجنة فصلت في عدم الدستورية، وقالت بأن التعديلات غير دستورية وسمحت لشفيق بالمنافسة في الانتخابات». وأوضح أن «لا مناص من وقف جولة الإعادة أو على الأقل إسراع المحكمة الدستورية العليا في نظر الدعوى تحصيناً لمنصب الرئيس لأنه يحق لأي من المرشحين الخاسرين طلب إعادة الانتخابات حتى لو فاز فيها مرسي إن قضت المحكمة الدستورية بدستورية العزل السياسي، ففي هذه الحالة من السهل القول إن الأصوات التي نالها شفيق أثرت في فرص المرشحين الآخرين لأنه خاض الانتخابات بالمخالفة لقانون ثبتت دستوريته». وكان المحامي عصام الإسلامبولي، وهو المستشار القانوني للمرشح حمدين صباحي الذي حل ثالثاً، أبلغ «الحياة» بأنه يعتزم التقدم بطلب إلى اللجنة العليا للانتخابات للمطالبة بوقف إعلان نتيجة الانتخابات أو استبعاد شفيق من جولة الإعادة ليخوضها صباحي ضد مرسي «لأن هناك مخاطر ستترتب على فوز شفيق إن قضت الدستورية العليا بدستورية قانون العزل ومن ثم عدم صحة قرار اللجنة بإعادته إلى سباق الرئاسة، وتجنباً لهذه المخاطر على اللجنة العليا استبعاده من السباق». وبهذه المعضلة، يكون مصير رأس الحكم في قبضة المحكمة الدستورية العليا ولا يقف الأمر عند حد مؤسسة الرئاسة بل يتعداها إلى المؤسسة التشريعية، إذ تعكف هيئة المفوضين في المحكمة الدستورية العليا على إعداد تقريرها عن مدى دستورية بعض نصوص قانون انتخابات البرلمان بعد أن أحالت المحكمة الإدارية العليا هذه النصوص على المحكمة بعدما اعتبرت أن منافسة مرشحي الأحزاب للمرشحين المستقلين على ثلث المقاعد المخصص للانتخاب الفردي «مخالف لمبدأ التكافؤ والمساواة». وينتظر أن تحدد المحكمة موعداً للفصل في هذه الدعوى بعد انتهاء هيئة المفوضين من إعداد تقريرها.