تستعيد دار الفتوى دورها بانتخاب رئيس المحاكم الشرعية السنّية العليا الشيخ عبداللطيف دريان مفتياً للجمهورية اللبنانية خلفاً للمفتي الحالي الشيخ محمد رشيد قباني الذي تنتهي ولايته في 15 أيلول (سبتمبر) المقبل، وذلك في جلسة لمجلس الانتخاب الإسلامي المؤلف من 103 أعضاء يعقدها اليوم. ولم تنقطع الاتصالات لتأمين انتخاب الشيخ دريان بالتزكية إلا إذا أصر القاضي الشيخ أحمد درويش الكردي على الترشح بطلب من أحد أعضاء المجلس الشرعي وبتزكية اثنين منهم، مع أن الأكثرية الساحقة في المجلس لا تمانع ترشحه لأن هناك ضرورة لتأكيد ديموقراطية الانتخاب وحق المنافسة. وبانتخاب الشيخ دريان مفتياً تستعيد دار الفتوى دورها على الصعيد الوطني والإسلامي بعد الأجواء غير المريحة التي سادت علاقة المفتي قباني بالمجلس الشرعي الممدد له ومن خلاله برئيس الحكومة تمام سلام ورؤساء الحكومات السابقين الذين كانوا تقدموا أمام مجلس شورى الدولة بطعن بالانتخابات التي دعا إليها في السابق لانتخاب مجلس شرعي جديد وبتعيين عدد من المفتين، إضافة الى التعديلات التي أدخلها على النظام الداخلي لدار الفتوى. ويُعقد اليوم مجلس الانتخاب الإسلامي بدعوة من الرئيس سلام وبمشاركة جميع أعضائه مع عودة زعيم تيار «المستقبل» الرئيس سعد الحريري الى بيروت. ويلي جلسة الافتتاح إفساح المجال أمام من يود الترشح لمنصب مفتي الجمهورية للتقدم بترشحه. ويقول الذين واكبوا التحضيرات لالتئام مجلس الانتخاب أن المفتي قباني استجاب للوساطة التي قام بها القنصل المصري شريف البحراوي باعتبار أن لا خيار أمامه سوى الاستجابة لها لعدم قدرته على خوض الانتخابات بمرشح يمكن أن ينافس الشيخ دريان وكان تراجع عن الدعوة التي وجهها رئيس دائرة الأوقاف في دار الفتوى الشيخ هشام خليفة لانتخاب مفتٍ جديد في 31 آب (أغسطس) الجاري. ويؤكد هؤلاء أن جملة من العوامل أملت على المفتي قباني عزوفه عن خوض المعركة بمرشح من قضاة الشرع، أبرزها أن مجلس شورى الدولة أبطل تنفيذ دعوة الشيخ خليفة لانتخاب مفتٍ جديد لأن الدعوة هي من صلاحيات رئيس الحكومة، إضافة الى أن المجلس طعن أيضاً بدعوة المفتي قباني الى انتخاب مجلس شرعي جديد خلفاً للمجلس الممدد له واعتبر أن دعوته غير نافذة. ويضيف المواكبون أنفسهم أن مجلس الشورى طعن بتعيين وانتخاب مفتين جدد للمناطق، ويؤكدون أن قباني فوجئ باستقالة أكثر من نصف أعضاء المجلس الشرعي الذي كان عيّنه أو دعا الى انتخابه وهذا ما دفعه الى مراجعة حساباته، ليس لأن حلفاءه ممن كانوا شكلوا رأس حربة له في خوضه معاركه ضد رؤساء الحكومات والمجلس الممدد له تخلوا عنه فحسب، وإنما لأن تصلبه في موقفه سيفتح الباب أمام الدعاوى المقدمة من الأخير لتأخذ مجراها القضائي على خلفيات وجود مخالفات مالية وإدارية الى جانب دعاوى بحق أعضاء المجلس المطعون بانتخابه أو بتعيينهم بتهمة انتحال صفة. ويرى هؤلاء أن تراجع المفتي قباني عن مواقفه أدى الى إنجاح الوساطة المصرية انطلاقاً من ضرورة الحفاظ على كرامة مفتي الجمهورية ومقام دار الفتوى، ويقولون أن حلفاء قباني وجلّهم من قوى «8 آذار» حاولوا الاستعاضة عن خسارتهم المعركة بتقديم أنفسهم وكأنهم شركاء في الجهود التي أدت الى موافقة الغالبية العظمى من أعضاء مجلس الانتخاب على دعم ترشح دريان. أما بالنسبة الى احتمال ترشح القاضي الكردي فيرى هؤلاء أن لا مانع من ترشحه وهذا حق طبيعي له، إضافة الى أنه دليل على الروح الديموقراطية في المنافسة على موقع مفتي الجمهورية. ويلفتون الى أن هيئة العلماء المسلمين برئاسة الشيخ مالك جديدة تؤيد انتخاب دريان، ويؤكدون أن موقف «الجماعة الإسلامية» واضح وهي تنطلق في تأييدها لانتخاب مفتٍ جديد من ضرورة الإسراع في تطوير دار الفتوى بجميع مؤسساتها لتكون راعية لجميع المسلمين وتتكامل مع القيادة السياسية من دون أن تذوب فيها، إضافة الى ضرورة تشكيل المجلس الاستشاري وإطلاق الانتخابات بدءاً بالمجلس الشرعي ومن ثم في الأوقاف. ويكشفون أن دريان أكد لقيادة «الجماعة الإسلامية» وقوفه الى جانب هذه المطالب وأبدى استعداده للعمل من أجلها، معتبرين أن تبنيه لها يجعل منه مرشحاً مقبولاً منها. ويشيرون الى أنها تعتبر أي مرشح يتبنى المطالب مقبولاً، وبالتالي ليس لديها موقف سلبي من ترشح الشيخ الكردي لكنها لا تتبناه وأن ما يهمها في ظل الظروف السياسية الراهنة التأكيد على المظهر الجامع للمسلمين. وفي هذا السياق علمت «الحياة» من مصادر إسلامية بأن «جمعية الإصلاح والإرشاد» تتبنى ترشح الشيخ الكردي وأنه يلقى دعماً من القضاة المشايخ: الدكتور سامر منيمنة وحسن قاطرجي وهمام الشعّار وبذلك يكون ضمن ترشحه بحسب ما هو منصوص عليه في النظام الداخلي لكن يبقى القرار النهائي له. إلى ذلك ترأس وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق اجتماعاً للقوى الأمنية التابعة لوزارة الداخلية في بيروت، حضره قائد شرطة بيروت العميد عبدالرزاق القوتلي والضباط المعنيون بالتدابير والإجراءات الأمنية المواكبة لعملية انتخاب المفتي في دار الفتوى اليوم. واطلع المشنوق من المسؤولين الأمنيين على تفاصيل التدابير الأمنية المتخذة وأعطى توجيهاته بضرورة الحفاظ على سير العملية الانتخابية في جو من الهدوء.