يؤشر المنحى الخطير لارتفاع البطالة بين المتعلمين في الأردن إلى أزمة حقيقية قد تعجز السلطات في السنوات القليلة المقبلة عن مواجهتها، خصوصاً مع تضاؤل قدرة القطاع الخاص على استيعاب الخريجين الجدد في ظل تفاقم مظاهر الأزمة الاقتصادية التي تلقي بظلالها الثقيلة على جميع القطاعات. ويكفي صانعي القرار السياسي في الأردن أن يعلموا أن ديوان الخدمة المدنية المسؤول عن تنظيم التوظيف في المؤسسات الرسمية، يحتوي طلبات لحملة شهادات جامعية أو جامعية متوسطة تكفي المملكة لمدة 20 عاماً مقبلة، وفق رئيسه السابق هيثم حجازي، الذي أشار في تصريحات أخيرة إلى أن عدد الطلبات حتى الآن بلغ 240 ألفاً، 64 ألفاً منها من حملة الشهادة الجامعية المتوسطة، تشكل الإناث 85 في المئة منها. وبات واضحاً أن الاستمرار على الوتيرة نفسها سيقود إلى توترات عدة، فهناك حاجة إلى قرارات بتحديد أعداد الملتحقين بالتعليم العالي، وتذكير الناس بأن دولاً صناعية مثل ألمانيا والنمسا لا يذهب فيها إلى الجامعات سوى ما بين 10 إلى 15 في المئة من مجموع الطلاب، مقابل نحو 70 في المئة من طلابنا. هذا الهرم المقلوب يحتاج إلى قرارات جريئة تعيد هيكلة نوعية الخريجين كي يتمكنوا من الالتحاق بسوق العمل وليس بسوق المتعطلين. ويبدو أن معضلة البطالة في الأردن غدت أشبه بمرض مزمن اعتادت سوق العمل الأردنية على التعايش معه. فقد تراوحت نسبة البطالة خلال العقد المنصرم ما بين 12 في المئة و14 في المئة في شكل ثابت. ويؤشر ثبات نسبة البطالة على هذا المستوى المرتفع إلى عدم قدرة سياسات التدخل كبرامج التدريب ودعم المشاريع الصغيرة وغيرها، على إحداث أي تقدم ولو مجرد ثقب في جدار البطالة. ولا تكمن المعضلة في أن سوق العمل الأردنية لا تولد فرص عمل، وإنما في ذهاب جزء كبير منها إلى غير الأردنيين خصوصاً إذا أخذنا في الاعتبار أن حجم فرص العمل التي يولدها الاقتصاد في أسفل الهرم الوظيفي أكبر بكثير من تلك التي في الوسط أو رأس الهرم. وبما أن هناك عزوفاً كبيراً من الأردنيين عن العمل بهذه المهن، فإن غالبيتها تذهب للعمالة الوافدة التي باتت تشكل أكثر من 20 في المئة من سوق العمل. وكان زير العمل السابق محمود الكفاوين أكد أن أكبر المشاكل الموجودة في الأردن هي بطالة الجامعيين في ضوء عدم قدرة الحكومة على استيعاب أعداد الخريجين الكبيرة التي تصل إلى حوالى 180 ألف خريج لدى ديوان الخدمة المدنية، لافتاً إلى وجود 400 ألف من العمالة الوافدة، فيما 70 في المئة من العمال الزراعيين لا يعملون في الزراعة. وتستند البطالة بين الجامعيين في الأردن إلى عامل قد يكون استراتيجياً في تفسير الظاهرة، وهو التوسع غير العادي في التعليم العالي أو الجامعي إذ تبلغ نسبة من يكملون التعليم الجامعي من الناجحين في امتحان التوجيهي 75 في المئة مقابل 20 إلى 25 في المئة يكملون تعليمهم الجامعي في الدول المتقدمة كبريطانيا، وبقية الخريجين يعملون بمهن رفيعة بعد الحصول على نوع من التدريب، إما داخل المؤسسة أو خارجها. والأهم من ذلك، فإن عدم التحاق البعض بالتعليم الجامعي لا يقف عائقاً أمام تقدمهم الوظيفي والاجتماعي الذي يقاس بمقدرتهم على الأداء وليس على أساس الشهادة فقط، وإذا أخذنا في الاعتبار أن أكثر من نصف المتعطلين في الأردن هم من حملة الشهادات الجامعية، وأن معدل البطالة لدى الإناث هو ضعفها لدى الذكور وأن معدل البطالة لدى الشباب والشابات ثلاثة أضعاف المعدل الوطني، يتضح عمق الأزمة في ما يتعلق بالعلاقة بين التعليم والبطالة. وكان أعلى معدل بطالة تم تسجيله في الآردن في آخر خمس سنوات 14,1 في المئة في الربع الأول من 2008 وتكرر تقريباً في الربع الثالث من 2009. وبينت دراسة رسمية صادرة عن دائرة الإحصاءات العامة أخيراً أن أكبر نسبة من العاطلين من العمل هي بين الجامعيين إذ بلغت ما يقارب 15.3 في المئة. وأشارت الدراسة إلى أن واحداً في المئة من المتعطلين من الأميين، وأن 43,6 في المئة من المتعطلين كانت مؤهلاتهم التعليمية أقل من الثانوي، في حين كانت النسبة المتبقية 55,4 في المئة من حملة الشهادة الثانوية وما فوق.