قرع خبير في العمارة والهندسة ناقوس الخطر أمام الوزراء السعوديين وموظفيهم الذين يؤدون عملهم الوظيفي في مبانٍ منتهية الصلاحية في حي الوزارات القديم والمشهور بضمه لمعظم وزارات الدولة. وكشف الأمين العام للجمعية السعودية لعلوم العمران الدكتور خالد الطياش، في حديث إلى «الحياة» عن انتهاء العمر الافتراضي لمباني الجهات الحكومية القابعة على طريق المطار القديم وسط العاصمة، لافتاً إلى أن عمرها الحالي يتجاوز ال53 عاماً في حين يراوح العمر الافتراضي «العلمي» للمباني الخراسانية بين ال40 و50 عاماً. وعلى رغم انقضاء عمر تلك المباني الحكومية إلا أن الطياش أكد أنها «لا تزال قائمة وقابلة للصمود ل20 عاماً مقبلة»، وعزا ذلك إلى تماسك حديد التسليح بغطائه الأسمنتي وعدم حدوث شروخ أو هبوط أو تشققات بها، فضلاً عن الترميمات التي طرأت على تلك المباني. وفي حين وصف نسبة المباني السكنية التي تجاوزت أعمارها الافتراضية ب«الكبيرة»، خصوصاً أن بعضها تجاوز عمر ال70 عاماً، إلا أنه حذر من خطر مبانٍ منتهية علمياً وعملياً في المنطقة ذاتها، لكن أعداد هذه الفئة قليل بحسب الطياش. وقال: «مباني العاصمة قابلة للصمود أكثر من مثيلاتها في مدينتي جدة والدمام، وذلك لبعد مباني العاصمة عن الرطوبة والأملاح التي تؤثر في عمر المباني الافتراضية وتقللها بنسبة 30 في المئة، إذ إن قوة الرطوبة وكمية الأملاح القريبة من المباني تؤثر تأثيراً مباشراً في الخرسانة والحديد وتقلل من كفاءتها». وأكد الأمين العام للجمعية السعودية لعلوم العمران الدكتور خالد الطياش، أن البناء السكني التجاري قابل للصمود حتى 60 إلى 70 عاماً، «بسبب أن الشركات الاستثمارية التي تعمل على البناء التجاري لا يمكنها التوفير المالي في الخرسانة والحديد، وأن هذين هما جوهر عمر المباني الافتراضية». وأشار إلى بعض جوانب اختلاف عمر المساكن العملي في السابق عن الحالي، بقوله: «يبرز في بناء الوقت الحالي قصر المدة الزمنية التي يقضيها الساكن في منزله، وكثرة انتقال الأسر من منزل إلى آخر خلال فترة زمنية بسيطة مقارنة بالماضي، ولهذه الظاهرة سلبيات منها الهدر المالي لموازنة الأسرة وصرفها في مجالات مظهرية لا تعود على أفرادها بالكثير من الفائدة على حساب مجالات أخرى أكثر أهمية وأعم نفعاً في حياة الأسرة كالتعليم والصحة والغذاء، كما أنها تسرع في شيخوخة الأحياء نتيجة هجر ساكنيها لمنازلهم بعد مدة وجيزة مما يزيد مساحة المدينة، ويجعل تأمين الخدمات لساكنيها أكثر صعوبة وأعلى كلفة». وأسهب الطياش في الحديث عن تلك الظاهرة، وأن السلبيات تتمثل في «سرعة تغير التركيبة السكانية للحي واختلاف استعمالات المنازل لوظائف أخرى، كالتخزين ومكاتب للشركات والمؤسسات وسكن للعمال والموظفين العزاب، والحد من الاستغلال الأمثل للمنزل وضعف العائد الاقتصادي من بنائه، وما يصاحب ذلك من هبوط حاد في سعره مقارنة بكلفة إنشائه الأساسية». وعزا أسباب تلك الظاهرة في المجتمع السعودي إلى زيادة الدخل المالي للشخص التي تجعله يتطلع لاقتناء منزل جديد يليق بالمكانة المالية التي وصل إليها، وتعريف من حوله بإمكاناته المادية من دون مراعاة للحاجة الفعلية لاستخدام فراغات البيت، «كما أن تطور المكانة الاجتماعية للشخص تدعو بعضهم إلى تغيير سكنه القديم إلى منزل جديد ليناسب المكانة الاجتماعية التي وصل إليها، حتى لو تحمل في سبيل ذلك أعباءً مالية كبيرة». وأضاف أن اختلاف التركيبة السكانية في الحي الذي يسكنه الشخص وهجرة ساكنيه الأوائل عنه وتغير نوعية استخدام منازل الحي إلى مساكن للعمالة أو مستودعات أو مقار لشركات ومؤسسات تجارية، وافتقار الحي للتطوير والصيانة ونقص الخدمات أو تدهورها وسوء تخطيط الحي، عوامل مساعدة على تكون تلك الظاهرة.وشدد الأمين العام للجمعية السعودية لعلوم العمران على أن عدم كفاءة بعض المؤسسات والأفراد العاملين في مجال صيانة المباني وترميمها وافتقارهم للخبرة العملية والإخلاص في العمل، يجعل المنازل حقل تجارب وتدريب لهؤلاء العاملين، «وهو أمر يؤدي إلى كثرة تراكم أعمال الصيانة والترميم في البيت وعدم إصلاحها بالشكل المطلوب، مما يزيد من رغبة صاحب المنزل مع تكرار ذلك إلى تغيير منزله خوفاً من تفاقم الأعطال والترميمات، مما يتعذر معه إصلاحها أو لوقف النزف المالي الذي تتطلبه أعمال الصيانة والترميم في المنزل، خصوصاً إذا قاربت كلفة الصيانة والترميم كلفة شراء منزل جديد، إضافة إلى توسع المواطن السعودي في مجال الشراء بالتقسيط وسهولة منح القروض المالية من البنوك، أدت إلى جعل فكرة تغيير المنزل أمراً ممكناً تحقيقه بالحصول على قرض يمكن تسديده بقسط شهري يحسم من الراتب لسنوات عدة». وتأتي تصريحات خالد الطياش بالتزامن إحصاءات تشير إلى أن حجم الإنفاق لبناء المساكن في السعودية يقدر بنحو 850 بليون ريال، للفترة من 2010 إلى 2020، إضافة إلى نحو 250 بليون ريال كلفة بناء 500 ألف وحدة سكنية.