جرت العادة خلال الدورات السابقة لمهرجان «كان» السينمائي الدولي أن تبرمج الأفلام الآتية من البلدان العربية خلال الأيام المتوسطة أو الأخيرة من المهرجان... هذه المرة يبدو الأمر مختلفاً بعض الشيء. فكل ما أتى من الشرق الأوسط، بل حتى من شمال أفريقيا العربي، ها هو يبرمج منذ اليومين الأولين تقريباً. لعلها مصادفة البرمجة، ولعلها أيضاً واحدة من اثنتين، فإما أن القوم هنا في لهفة من أمرهم لمعرفة المزيد عما يحدث في عوالمنا العربية الشرق الأوسطية «اللذيذة» ومعرفة كيف ينظر مبدعونا السينمائيون إلى «مآثر» ثوراتنا و «مكتسباتها»، وإما أنهم بفعل تراكم العروض التي من عندنا، شاؤوا التخلص منها باكراً والتفرغ بعد ذلك براحة بال إلى ما هو آتٍ من عندهم. العرض الأول لفيلم يسري نصرالله الجديد والمتباري في المسابقة الرسمية «بعد الموقعة»، لاقى على الفور استحساناً وقبولاً لدى النقاد عوّضا عن برودة الاستقبال الجماهيري. لجأ نصرالله في هذا الفيلم الشيّق إلى فكرة النهاية شبه المفتوحة كي يعطي حكاية الحب التي تشكل العمود الفقري للفيلم، سمة العمل قيد الإنجاز. من هنا الإحساس بشيء من التسرع في صوغ الفيلم وإنجازه. لكن المدهش أن هذا الإحساس لعب لمصلحة الفيلم، إذ أضفى على «حدّوتته» شيئاً من الالتباس الصحيّ، منقذاً إياه من ديماغوجية لاحت أول الأمر في الأفق. بل جعلنا نتساءل هل نحن حقاً أمام حكاية حب (روميو وجولييت في ميدان التحرير... كما قيل سابقاً)، أم إننا في صلب موقف من الثورة وتساؤلاتها الحارقة ومسائل الصراع الطبقي والنفاق الاجتماعي والوعي الذي يتحكم بالأفعال سواء لدى الحثالة الذين يمكن الأجهزة التلاعب بهم (محمود الفارس – لعب الدور ببراعته المعتادة باسم السمرا - المشارك في قمع الثوار في موقعة الجمل) أو لدى الثوريين البورجوازيين الصغار الآتين من الأحياء الراقية إلى عالم الحثالة (منّة شلبي في واحد من أدوارها الكبرى)... إننا هنا بالأحرى أمام خوف نصرالله وقلقه وأسئلته حول ثورة كان من أوائل الراغبين فيها ذات يوم. ولعلنا أيضاً أمام السؤال الكبير الذي تحولت إليه كل تلك الحماسة الثورية بعد أسابيع الفرح الأولى. لقد كان الأمر في حاجة إلى من يعلّق الجرس في ذيل الثعلب، وها هو يسري نصرالله يفعلها... بفيلم بدأ يثير انقساماً بين من يتحمس فيعطيه السعفة الذهبية... منذ الآن، ومن يتساءل باستنكار عما جاء يفعله في عيد السينما العالمية! من مصر أيضاً وغير بعيد كثيراً فيلم لم يحظ بدعاية كبيرة فكاد أن يمرّ مرور الكرام لولا أن ناقد «لوموند» تنبّه له معتبراً مخرجه «وودي آلان على ضفاف النيل». مخرج الفيلم سينمائي مصري شاب يعيش في فرنسا ويدعى نمير عبد المسيح، أخبرته أمه يوماً أن السيدة العذراء ظهرت في مصر فتوجه مع أمه إلى هناك، وكانت النتيجة هذا الفيلم المعنون «العذراء والأقباط وأنا». اليوم السبت وفوراً من بعده سنرى ما ستقوله سينما المغربي نبيل عيوش في «خيول الله»... وزميله الجزائري مرزاق علواش في «التائب». فهنا أيضاً وفي الحالتين لدينا تسابق من برنامج المهرجان على العروض العربية، ومن البديهي أن الرسائل التالية ستتوقف عندهما، وفي انتظار ذلك أخبار طيبة من السينما السعودية حيث أعلن منتجان ألمانيان أن المخرجة السعودية هيفاء المنصور باتت في صدد إنجاز أول فيلم روائي طويل لها وعنوانه «وجدة»، وأن الفيلم من إنتاجهما هما اللذان سبق أن أنتجا في نشاطهما الشرق الأوسطي فيلم «الجنة الآن» للفلسطيني هاني أبي أسعد والفيلم التحريكي «فالس مع بشير» الذي بات اليوم كلاسيكياً في مشاكسته على الحروب الإسرائيلية في لبنان... أما الممثل المصري عمرو واكد فعاد مجدداً يثير ضجيجاً حول جملة مشاريع لأفلام يقول إن شركته «زاد» بصدد إنتاجها.