لعبت أسواق المال في المنطقة دوراً مهماً في تقديم التمويل إلى القطاع الخاص قبل بداية التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية، وذلك سواء من خلال سوق الإصدارات الأولية عند طرح أسهم شركات مساهمة عامة جديدة، أو من خلال تقديم الأموال للشركات القائمة لتعزيز رأس مالها العامل بهدف تنفيذ مشاريعها وتوسعاتها والذي يحصل عادة من خلال إصدارات خاصة لمساهمي الشركات أو إصدارات عامة. ولا شك في ان تدفق الأموال على الشركات الحديثة التأسيس أو الشركات القائمة ومن كل القطاعات الاقتصادية، عزز أداء القطاعات الاقتصادية، ما انعكس في صورة واضحة على نمو الناتج المحلي الإجمالي. واستحوذت التمويلات التي قدمتها أسواق المال على حصة مهمة من تمويلات المصارف للقطاع الخاص، ولجأت شركات مساهمة كثيرة في المنطقة إلى مساهميها للحصول على الأموال بدلاً من اللجوء إلى المصارف في ظل ارتفاع أسعار الفائدة على القروض. ويتبيّن من خلال البيانات المالية التي تنشرها الشركات المساهمة العامة اقتطاع جزء مهم من أرباحها لتغطية خدمة الفائدة المترتبة على القروض أو أدوات التمويل المختلفة. وتكون قروض المصارف عادة ما بين متوسطة وقصيرة الأجل، بينما لا تحمل الأموال التي تتلقاها الشركات المساهمة العامة، سواء الحديثة التأسيس أو القائمة، من مساهميها أي فوائد، وهي طويلة الأجل وتتحقق عائداتها عادة من ارتفاع ربحية الشركات وبالتالي ارتفاع نسب توزيعاتها السنوية على مساهميها ونمو أسعارها في السوق. وخلال طفرة أسواق المال في المنطقة ما بين عامي 2004 و2008 اتسمت الأموال المتدفقة على هذه الأسواق، سواء لتغطية اكتتاب أسهم شركات حديثة التأسيس أو زيادة رؤوس أموال شركات قائمة، بالضخامة، فبلغت قيمة الأموال المتدفقة على أسواق الإمارات عام 2006، مثلاً، نحو 50 بليون درهم (13.8 بليون دولار)، منها 16.5 بليون درهم قيمة تغطية أسهم ستة شركات مساهمة عامة طرِحت للاكتتاب العام، بينما بلغت قيمة الإصدارات الخاصة لشركات قائمة خلال العام ذاته نحو 33.5 بليون درهم. ولدى احتساب قيمة التسهيلات والقروض التي قدمتها المصارف في الإمارات إلى القطاع الخاص في العام ذاته، يتبيّن ان قيمة الأموال التي قدمتها أسواق المال تشكل نسبة مهمة من هذه القروض على رغم غياب افتقار الإمارات إلى سوق للسندات تلجأ إليها الشركات للحصول على الأموال الطويلة أو المتوسطة الأجل، وهو ما ينطبق على الكثير من الأسواق في المنطقة. وبلغت قيمة الأموال التي تدفقت على سوق عمّان المالية عام 2006 نحو 2.4 بليون دينار أردني (3.4 بليون دولار)، وهو أيضاً رقم قياسي ويشكل نسبة مهمة من القروض التي قدمتها المصارف الأردنية. هذا الدور المهم الذي لعبته أسواق المال بدأ بالانحسار التدرجي منذ نهاية عام 2008 فأصبح صعباً لنسبة مهمة من الشركات المدرجة في أسواق المال في المنطقة الحصول على أموال من مساهميها لتعزيز رأس مالها العامل أو إكمال مشاريعها، في ظل تشدد المصارف في منح قروض للكثير من القطاعات الاقتصادية في المنطقة، نتيجة التباطؤ الذي تشهده هذه القطاعات وبالتالي ارتفاع الأخطار الذي أدى إلى تعثر عدد كبير من الشركات في المنطقة أو تراجع كبير في أدائها، نتيجة ضعف السيولة المتوافرة أو عدم قدرة الشركات على الحصول على الأموال لتسديد ديونها أو خدمة فوائد هذه الديون. يُضاف إلى ذلك توقف نشاط سوق الإصدارات الأولية في الكثير من دول المنطقة نتيجة ضعف الثقة الذي أدى إلى تراجع حجم السيولة في ظل انخفاض أسعار أسهم عدد كبير من الشركات المدرجة في أسواق المنطقة إلى ما دون قيمها الاسمية أو التأسيسية. وتتطلب عودة النشاط إلى سوق الإصدارات الأولية، عودة النشاط والانتعاش إلى الأسواق الثانوية لفترة لا تقل عن تسعة شهور بما يعزز الثقة في الاستثمار في هذه الأسواق ويؤدي إلى تدفق السيولة قبل ان تبدأ وفي شكل تدريجي عودة الثقة إلى سوق الإصدارات الأولية. * مستشار لأسواق المال في «بنك أبو ظبي الوطني»