معلوم ان سوق الإصدارات الأولية هي السوق التي تولد فيها الشركات المساهمة العامة الجديدة، إذ تطرح أسهمها للاكتتاب العام أمام مختلف شرائح المستثمرين. وتُعتبر سوق الإصدارات الأولية بالتالي سوق الاستثمار الحقيقي لجهة تأمين الأموال للاستثمارات الطويلة الأجل، بما يؤدي إلى تعزيز الناتج المحلي الإجمالي وتنويع القاعدة الإنتاجية والاقتصادية وتأمين فرص عمل جديدة، إضافة إلى ترسيخ وضمان الاستقرار والاستدامة على صعيد النمو الاقتصادي. ويعكس نشاط سوق الإصدارات الأولية الدور المهم الذي يلعبه القطاع الخاص في دعم النمو الاقتصادي، فنشاط هذه السوق يفتح فرصاً كبيرة أمام مختلف شرائح المستثمرين لتوظيف جزء من مدخراتهم إذ تُطرح أسهم الشركات الحديثة بأسعار التأسيس. وبالنسبة إلى الأسواق المالية، يساهم نشاط الإصدارات الأولية في إضافة فرص استثمارية جديدة، إذ تُدرَج الشركات في الأسواق المالية بعد فترة قصيرة من طرح أسهمها للاكتتاب العام ما يعزز بالتالي عمق هذه الأسواق ويزيد مستوى سيولتها ونشاطها. إلا ان نشاط سوق الإصدارات الأولية في المنطقة يرتبط عادة بنشاط سوق الأسهم الثانوية (البورصات). ولوحظ نشاط قوي لسوق الإصدارات الأولية خلال الفترة الممتدة بين عام 2003 ونهاية الربع الثالث من عام 2008، إذ بلغ مثلاً عدد الشركات التي طُرحت أسهمها للاكتتاب العام في أسواق الإمارات خلال ثلاث سنوات (بين عامي 2005 و2007) 13 شركة بمجموع رؤوس أموال بلغ آنذاك 30.6 بليون درهم (8.33 بليون دولار). ومنذ بداية الثلث الأخير من عام 2008، تعرضت سوق الإصدارات الأولية لمرحلة طويلة من الكساد نتيجة لتدهور مؤشرات الأسواق المالية في المنطقة وتعرض معظم المساهمين والمستثمرين لخسائر جسيمة. فمنذ نهاية تموز (يوليو) عام 2008، مثلاً، لم تُطرح أسهم أي شركة مساهمة عامة جديدة في الإمارات، على رغم توافر معلومات عن وجود 40 طلباً لدى الجهات المختصة لطرح شركات مساهمة عامة تتضمن دراسات حول الجدوى الاقتصادية للطروح العتيدة. ترتبط الموافقة على هذا الطرح بعامل الوقت وعودة الثقة وتوافر السيولة في ظل حذر من فشل الاكتتابات وعدم تغطيتها، خصوصاً ان ثمة عدداً كبيراً من الشركات المدرجة في الأسواق المالية تُباع أسهمها بأقل من قيمها الاسمية، ويُتداول معظمها بأقل من قيمها الدفترية. وثمة توقعات بعدم مشاركة المصارف في تمويل المكتتبين في أسهم الشركات المطروحة نظراً إلى ارتفاع أخطار التغطية، بعدما استحوذت تمويلات المصارف على ما نسبته 90 في المئة من إجمالي الأموال المكتتب بها أيام طفرة الأسواق، إذ بلغت تغطية أسهم بعض الشركات الإماراتية المطروحة للاكتتاب العام أكثر من 160 ضعفاً، ما أدى إلى انخفاض نسبة التخصيص إلى أقل من نصف في المئة من عدد الأسهم المكتتب بها. ولم يقتصر توقف نشاط سوق الإصدارات الأولية على طرح أسهم شركات جديدة بل امتد ليشمل معظم الشركات المساهمة التي تحتاج إلى أموال لتعزيز رؤوس أموالها العاملة أو تمويل مشاريعها القائمة أو خططها التوسعية، ما دفع بهذه الشركات إلى اللجوء لمساهميها لتأمين التمويلات من خلال إصدارات خاصة. وتحتاج عودة النشاط إلى سوق الإصدارات الأولية في اعتقادنا إلى نشاط قوي لسوق الأسهم الثانوية خلال فترة لا تقل عن ستة أشهر بما ينعش الثقة في الأسواق ويرفع مستوى سيولتها ويعزز أداء الاقتصاد الوطني وأداء قطاعاته. لا نتوقع أي نشاط ملحوظ خلال هذه الفترة في سوق الإصدارات الأولية، إذ قد يستمر الجمود حتى نهاية الربع الأول من السنة المقبلة. فمؤشر سوق دبي المالية ما زال منخفضاً بنسبة 68 في المئة، مقارنة بإغلاقه نهاية حزيران (يونيو) 2008، أي قبل بداية الأزمة، على رغم موجة التفاؤل التي أدت إلى تحقيق مؤشر السوق مكاسب جيدة منذ بداية أيلول (سبتمبر) وحتى منتصف تشرين الأول (أكتوبر)، بينما بلغت خسائر سوق أبو ظبي المالية 44 في المئة والسوق السعودية 32 في المئة والسوق الكويتية 53 في المئة. * مستشار في «بنك أبو ظبي الوطني» للأسواق المالية