أصاب «العلم» أو الراية السوداء الكثيرين ب «فوبيا» الألوان، وحولها تنظيم القاعدة منذ انطلاقته سلاحاً مهماً ومؤثراً في فرض شخصيته كتنظيم دموي قاتل، الأمر الذي لم يغفله تنظيم «داعش» الذي يعده المراقبون الولد الشرعي لتنظيم القاعدة، فاستغل تأثير تلك الراية واتخذها شعاراً خاصاً بتنظيمه، ورفعها في أكثر من بلد عربي وخليجي بالتحديد فكان له الأثر القوي، الأمر الذي دفع السلطات الرسمية في تلك البلدان لاتخاذ إجراءات وعقوبات قوية على من يرفعها في أي مكان. وأصبحت قطعة القماش هذه محور حديث الأوساط السياسية والاجتماعية، على رغم غياب تأثيرها منذ خروج الأسلحة الثقيلة وتطور وسائل الحرب، ولم يعد للراية أي تأثير، إلا أن هذا الرأي لم يعد سارياً مع عودة اللعب على وتر تأثير الأعلام والرايات في التأكيد على الوجود، وهو الأمر الذي لا يغفله هذا التنظيم الإرهابي، الذي أكد في أكثر من بيان وتصريح أنها رايات الحرب وليس راية لدولة فقط. وأوضح مراقبون أن اختيار التنظيمات المسلحة ومن بينها «داعش» وقبلها القاعدة للرايات السود، لهو امتداد للحالة الجاهلية عند العرب، إذ إن رفع مثل هذه الرايات يعني وجود ثأر لابد أن يؤخذ، أو دلالة على الحزن، أو في حالات الحرب القصوى، وفند باحثون ما ذهب إليه أفراد من هذه المجموعات إلى أن هذه الراية امتداد لرايات النبي أثناء الحرب، مشيرين إلى أن «لواء النبي كان أبيض بحسب الروايات المتواترة والموثوقة، وهناك أعلام سود مطرزة بالأبيض لدى كل فرقة وكانت خالية من أية كتابة أو رسم». ويذهب محللون إلى أن اختيار ختم النبي الذي اتخذه ليختم رسائله للملوك، كان ذا دلالة معنوية واضحة أراد منها التنظيم أن يؤكد مزاعمه بأن تحركاته ومشاريعه مختومة بختم الدولة الإسلامية، وأن ما يقومون به مؤيداً من الشريعة، معتقدين أن وجود هذا الختم له تأثير نفسي على المسلمين، وهذا ما أراد التنظيم تأكيده من جعل هذه الراية ذات تأثير مباشر على المسلمين، ما ينذر بخطورة هذا التأثير. ويرى باحثون في علم نفس الألوان أن «اختيار اللون الأسود لمثل هذه الراية يعبر بشكل ملحوظ عن الشخصيات التي تحمله، فمن المعروف علمياً أن المتمسكين بهذا اللون هم انطوائيون بطبعهم، ويعيشون في عالم منغلق ومظلم، وهي شخصيات متكلفة للغاية، ويمثل هذا اللون في الثقافة الغربية الغياب والحداثة والسلطة والتعقيد والثروة والشر والموت، بينما كان يراه المصريون القدامى أنه دلالة عن الخوف والجنس والاصطلاحية والتمرد والفوضى والوحدة، وهي صفات لا تتعدى من ينتمون لمثل هذه التنظيمات الإرهابية. وشهدت أكثر من دولة عربية وخليجية ظاهرة رفع علم تنظيم داعش، إلا أنه جُوبه بإجراءات عقابية صارمة طاولت المتعاطفين مع هذا التنظيم، وكانت أبرز تلك الأحداث ما شهده أكبر مسجد في مملكة البحرين حين رفع متعاطفون مع التنظيم العلم خلال صلاة العيد، إلا أن السلطات البحرينية أكدت أنها «تضع المتعاطفين مع التنظيم تحت عين الرقابة»، مشددة على تجريم ذلك، وشددت أيضاً على خطورة العناصر البحرينية المنضمة إلى «داعش» على رغم أنها وصفتهم ب»القليلة جداً». ولم تكن البحرين الوحيدة في ظهور علم التنظيم على أراضيها بل شاركتها الكويت، بعد أن رفع متجمهرون العلم، وتناقلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل صوره وهو يرفرف بأيدي مؤيدين، ليصاحبه موجة إعلامية وشعبية رافضة لوجود مثل هذا التنظيم الإرهابي بحسب وصفها على الأراضي الكويتية، ليدفع السلطات الكويتية للتشديد على ملاحقة ومعاقبة من يثبت دعمه أو مساندته لأي تنظيم إرهابي وعلى رأسها القاعدة و»داعش» وغيرها. وتداول مغردون ومستخدمون لوسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، أكثر من صورة لشباب يرتدون قمصاناً سود تحمل شعار تنظيم «داعش»، كان من بينها شاب في وسط الحرم المكي، الأمر الذي لاقى استهجاناً كبيراً من مواطنين، وانتشرت صور أخرى لشباب يضعون علم التنظيم فوق سياراتهم، الأمر الذي بات ينذر بخطر انتشاره بين الشباب المغرر بهم، ويستوجب تحركاً تصحيحياً لهذا الأمر. وسجل رفض رفع راية التنظيم بدل العلم الرسمي لدول وقوع ضحايا كان من أبرزهم شاب عراقي في العقد الثاني من عمره، ويسكن في قرية الزوية (40 كم شمال تكريت)، بعد أن قرر الشاب مروان الجبوري ومجموعة من أبناء قريته عبور نهر دجلة سباحة، إلى منطقة الراب المقابلة لرفع العلم العراقي بدلاً من راية «داعش» التي وضعت في إحدى الثكنات بعد أن احتل أفراد التنظيم تلك المنطقة، فثارت الغيرة في نفسه وتطوع لعبور النهر وإنزال ذلك العلم. قطع الشاب الجبوري النهر سباحة وهو يحتضن العلم العراقي، ونجح بعد وصوله للثكنة في إنزال العلم ووضع العلم العراقي مكانه، واشتبكت عناصر التنظيم وأصيب الشاب الذي كان في وسط النهر عائداً بعد تحقيق مبتغاه، وقتله قناص ليستقر جسده في وسط النهر مسجلاً أروع صور رفض علم تنظيم «داعش» أن يرفرف على أي أرض إسلامية.