يعاني أحياناً صعوبة في الحفاظ على توازن جسمه. تارة تكون الصعوبة خفيفة يستطيع تحملها، وتارة أخرى تكون قوية. وعندما يختل التوازن بقوة يجلس أو يتمدد لبعض الوقت. ذهب إلى المستشفى حاملاً معه شكواه، فقرر الفريق الطبي ابقاءه فيه لعمل الفحوص الضرورية. أتت النتائج تحمل مفاجأة من العيار الثقيل. هناك كتلة في أعماق المخ. ومن أجل معرفة طبيعة هذه الكتلة قرر الطبيب المختص بالأمراض العصبية القيام بزيارة قصيرة الى المخ من خلال ابرة موجهة بالكومبيوتر أخذ بواسطتها عينة من الكتلة، وأرسلها إلى المختبر. النتيجة جاءت ناطقة، إذ أشارت إلى أن الكتلة هي ورم خبيث وصل إلى المخ من خارج حدود الجمجمة. عندما تنتشر الأورام البدئية من مكانها الأصلي في الجسم إلى ساحة الدماغ يطلق على الاورام الجديدة اسم النقائل أو الأورام الثانوية، وتصل خلايا هذه الأخيرة الى قلب الجمجمة عبر المجرى الدموي، وهي تملك الخصائص نفسها لخلايا الأورام الأولية. وتوحي رؤية كتل ورمية متعددة في انحاء الدماغ بوجود النقائل الورمية. ويطلق على الورم الدماغي الثانوي اسم الورم الأصلي نفسه ، فمثلاً إذا انتشر سرطان الثدي إلى الدماغ يسمى المرض سرطان الثدي المنتشر. المعروف أن الدماغ هو عبارة عن كتلة اسفنجية طرية تتكون من الخلايا العصبية والنسيج الداعم له. ويقسم الدماغ إلى ثلاثة أقسام رئيسة، هي المخ، والمخيخ، وجذع المخ. ويشكل المخ الجزء الأكبر من الدماغ، وهو يتألف من نصفين يقعان في أعلى الجمجمة، هما المخ الأيسر والمخ الأيمن. أما المخيخ فيحتل الجزء الأسفل للدماغ. في المقابل، فإن جذع الدماغ الذي يصل المخ بالنخاع الشوكي يوجد أمام المخيخ وأسفل المخ. ويمكن للنقائل الورمية الدماغية أن تحتل أي قسم في الدماغ، ولكن النسبة الأكبرمنها (80 في المئة) تجتاح المخ، يليها في الدرجة الثانية المخيخ (15 في المئة)، ثم جذع المخ (5 في المئة). وتتمظهر أورام الدماغ الثانوية بمظاهر مختلفة ومتباينة، نتيجة الضغط الذي تحدثه الأورام على أنسجة الدماغ وبالتالي تأثيرها على الوظائف الحيوية التابعة، فالدماغ يقطن بين عظام قوية غير قابلة للتوسع، من هنا فأي كتلة تملأ الفراغ في داخل هذه التركيبة العظمية من شأنها أن تسبب زيادة الضغط داخل القحف، فيعاني المريض من جملة من العوارض والعلامات التي ترتبط بحجم الورم ونوعية نموه. ومن أبرز هذه المظاهر: - الصداع، وهو يعود إلى زيادة الضغط داخل الجمجمة بسبب الورم وتهيج الأغشية السحائية بالخلايا الورمية. ويسوء الصداع عادة في الصباح، ويميل إلى التطور نحو الأسوأ مع مرور الوقت. والصداع قد يكون جديداً، أو قديماً تغيرت صفاته. وقد يكون العارض الوحيد لأورام الدماغ الثانوية إذا ظهر الصداع عند شخص لم يكن يعاني منه في السابق، فيكون بمثابة علامة تحذيرية يجب أخذها على محمل الجد. - اضطرابات على صعيد الرؤية، مثل ازدواج الرؤية وتشوشها، وفقدان القسم المحيطي من الرؤية، ووذمة (تورم) حليمة العصب البصري. - اضطرابات حسية وحركية في الساقين أو الذراعين. - تصلب في النقرة واختلاجات موضعية أو عامة في الجسم. - اضطرابات في السمع، مثل الطرش، وفقدان السمع. - اضطرابات في النطق. - اضطرابات على صعيد التوازن والمشي. - تبدلات على مستوى السلوكيات الحياتية اليومية والشخصية. - اضطرابات في الذاكرة وفي القدرات العقلية الأخرى. - حدوث الأزمة الدماغية نتيجة النزف الناتج عن هجوم الخلايا الورمية. - من العوارض الشائعة عند الأطفال في سن الدراسة بروز انحدار واضح في الأداء المدرسي، اضافة إلى الخمول، والكسل، والإعياء المستمر، والتقلبات المتواصلة في الشخصية والمزاج. ولدى الأطفال الرضع يكبر حجم الرأس بشكل غير طبيعي، ويظهر التقيؤ المستمر، ويتراجع النمو عندهم. كيف يتم تشخيص النقائل الورمية الدماغية؟ إن الوسائل المتبعة لتشخيص النقائل الورمية لا تختلف عن تلك المتبعة في تشخيص الأورام البدائية، وتقوم أسس التشخيص على حيثيات القصة السريرية، وعلى الفحص الطبي العصبي، وفحص العينين، والسمع، إلى جانب الفحوص النوعية التي تضم التصوير الشعاعي البسيط للجمجمة، والتصوير بالرنين المغناطيسي، والتصوير الطبقي المحوري، والتصوير الظليل للأوعية الدماغية بعد حقن مادة ملونة. وبعد ذلك تؤخذ عينة من مكان الورم بواسطة ابرة يتم ادخالها عبر ثقب في الجمجمة، وبعد استحضار العينة ترسل إلى المختبر لكشف أصل الورم وفصله، وعلى ضوء الفحص المجهري يتم اختيار الخطة العلاجية الأنسب للمريض. وهناك خيارات علاجية عدة لعلاج النقائل الورمية الدماغية، بحسب حجمها وموقعها وامتداداتها، فهناك العلاج الجراحي، والعلاج الكيماوي، والعلاج بالأشعة، وقد يضطر الطبيب أحياناً إلى المشاركة بين هذه العلاجات. وفي شكل عام، يمكن القول إن العلاج الطبي العاجل يقوم على تدبير الوذمة (التورم) الدماغية، ولجم نوبات التشنج، وتهدئة الصداع بالأدوية المناسبة. أما العلاج بالجراحة، فيطبق في حال كان الورم وحيداً لا يتعدى قطره ثلاثة سنتيمترات. هل تمكن الوقاية من الأورام الثانوية الدماغية؟ لسوء الحظ، لا تمكن الوقاية من حدوث الأورام الدماغية الثانوية، إلا أن الخطوات الآتية، مثل الفحص الطبي الدوري، والكشف المبكر للسرطانات الأولية، والشروع في العلاجات المناسبة لها، تعتبر من الإجراءات التي تسمح بالحد من وقوع هذه الانتشارات. الرئة مصدر نصف الأورام من الناحية النظرية، كل السرطانات في الجسم يمكن أن تعطي انتشارات ورمية إلى مختلف أنحاء الدماغ. من أكثر السرطانات التي تقف خلف تلك الانتشارات الخبيثة إلى الدماغ يأتي سرطان الرئة في المرتبة الأولى (وهو مسؤول تقريباً عن نصف الأورام الثانوية الدماغية)، ثم يجيء سرطان الثدي، يليه سرطان الجلد، فسرطان الكلية، وسرطان الغدة الدرقية، وسرطان الأنبوب الهضمي، وسرطان البروستاتة. يشيع انتشار سرطان الثدي، وسرطان الرئة، وسرطان الجلد، إلى المخ، في حين أن سرطانات الكلية والأنبوب الهضمي والحوض تميل للذهاب إلى المخيخ. إن مريضاً واحداً من أصل أربعة يموت من السرطان توجد لديه أورام ثانوية في الدماغ. تشاهد الأورام الثانوية الدماغية أكثر ما تشاهد في المرحلة العمرية من 50 إلى 70 سنة. تكون الأورام الثانوية وحيدة في 30 الى 40 في المئة من الحالات. في 15 إلى 20 في المئة من الأورام الثانوية الدماغية، لا تمكن معرفة الورم الأولي الذي جاءت منه. [email protected]