لا يزال السرطان يمثل تحدياً كبيراً للوسط الطبي، إذ أنه يهدد حياة الناس من دون تمييز بين كبير أو صغير، غني أو فقير. عندما يحل الورم الخبيث في عضو من أعضاء الجسم فإنه ينمو من دون سيطرة ولا حدود، لأن خلاياه قادرة على الانتشار إلى أي مكان في الجسم. وعلى رغم ان الحرب على السرطان هي حرب ضارية، إلا أن الباحثين أستطاعوا أن يحققوا سلسلة من النجاحات ضد المرض، فقد كشفت فعاليات المؤتمر السنوي للجمعية الأميركية للسرطان الذي عقد أخيراً في مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة، وحضره أكثر من 30 ألف طبيب اختصاصي حول العالم، عن تطورات جديدة لمواجهة هذا الورم اللعين. وفي ما يأتي أهم تلك التطورات التي حصلت في بعض الميادين المتعلقة بالسرطان : سرطان الثدي. أثبتت دراسة قٌدمت في المؤتمر أن استعمال الرنين المغناطيسي إضافة إلى التصوير البسيط للثدي له فائدة كبيرة في تشخيص الأورام المبكرة وكشفها عند النساء ممن قطعن الخامسة والأربعين، خصوصاً اللواتي يملكن سوابق عائلية بالإصابة. وكما هو معروف فإن سرطان الثدي هو أكثر السرطانات انتشاراً لدى النساء، كما أنه يعتبر من أكثر السرطانات التي يمكن رصدها باكراً. أيضاً تم الإعلان خلال المؤتمر عن نتائج دراسة موسعة في نيويورك، استغرقت سبع سنوات، أنه يمكن علاج المصابات بسرطان الثدي باستعمال مجموعة «تراستوزومات» فقط وحدها من دون إرفاقها بالعلاجات الكيماوية التي لا تخلو من الآثار الجانبية المدمرة شرط ألا يتجاوز حجم الورم سنتيمتراً واحداً وألا تكون الغدد اللمفاوية مصابة. وظهرت توجهات بإمكان الاستعانة بالخريطة الجينية من أجل استنباط علاجات جديدة تناسب كل سيدة وذلك طبقاً للمحتوى الجيني الخاص بها ما يسرّع الشفاء ويرفع نسبة نجاح العلاج والحد من الآثار الجانبية. - سرطان الرئة. قدم باحثون فرنسيون نتائج دراسة واعدة حول امكان استخدام علاجين كيماويين بدل علاج واحد، وأنه يمكن الأخذ بهذه الإستراتيجة العلاجية للمصابين بسرطان الرئة الذين قطعوا عتبة السبعين بعد أن كان حكراً على المرضى الأصغر سناً. وفي هذا الصدد تقول البروفسورة الفرنسية اليزابيت كوا، الاختصاصية في أمراض الرئة. ان ذلك يعتبر تقدماً ملحوظاً في مكافحة سرطان الرئة. وجاءت هذه الدراسة لتضع النقاط على الحروف، فبعدما كان سرطان الرئة عند المسنين يعالج بدواء واحد بحجة أن هؤلاء لا يتحملون علاجين في آن معاً، تبين أن استراجية العلاجين فعالة عند الجميع حتى لدى أكثر المرضى هشاشة وضعفاً. - أورام المخ. كشف علاج تجريبي فاعليته في مواجهة اورام «الميديلوبلاستوما» التي تعتبر من أكثر السرطانات انتشاراً عند الأطفال والشباب، ويعمل العقار «جي دي سي - 0449» على تجميد أحد البروتينات الذي يعتبر وجوده أساسياً في عملية تعديل نمو الخلايا. والتوجه الحالي هو نحو استخدام مثل هذه العلاجات التي تقطع الطريق على نمو الورم. وأكد بحث مصري قدمه الدكتور هشام الغزالي استاذ علم الأورام في جامعة عين شمس، نجاح استعمال مجموعتين من العلاجات الحديثة في علاج أورام المخ الأولية الناكسة والتي كانت نسبة الشفاء فيها ضئيلة جداً. - سرطانات الغدد اللمفاوية. عرضت نتائج دراسة بريما التي أجريت على أكثر من 12 ألف مريض مصابين بأورام في الغدد اللمفاوية، وتمخضت نتائج المرحلة الثالثة من الدراسة عن أن استعمال مجموعة «ريتوكسيماب» يقلل من خطر انتكاس الورم اللمفاوي الحويصلي بمعدل النصف ويزيد من نسبة استمرار المرض من دون تدهور. ويتميز الورم اللمفاوي الحويصلي ببطء نموه وانتشاره. - سرطان البروستاتة. تأكدت إيجابية مشاركة العلاج الإشعاعي للعلاج الهرموني إذ انها تساهم في خفض خطر الوفاة بنسبة تفوق الأربعين في المئة لدى الذين يعانون من سرطان بروستاتي محدد ومتقدم. وفي معرض تعليقه على نتيجة الدراسة المتعلقة باستخدام العلاجين الشعاعي والهرموني يقول الباحث الدكتور باداريغ واردي المدير المساعد للطب الشعاعي في مستشفى تورونتو الجامعي بكندا «أن الأبحاث والتجارب السريرية في المرحلة الثالثة ستعيد النظر في المبادئ المستعملة في العلاج حالياً، والتي تقول أن المعالجة الهرمونية كافية وحدها للسيطرة على أورام البروستاتة الخبيثة المحددة والمتقدمة». وبحسب واردي فإن الرجال الذين تلقوا علاجاً يجمع الأشعة والهرمونات عمروا أكثر من الذين لم يفعلوا ذلك، كما انخفضت عندهم نسبة التعرض لأخطار الوفاة بسرطان البروستاتة الذين يشكون منه. - سرطان المبيض. عرض البروفسور الأميركي روبيرت سي باست استشاري العلاج الكيماوي في مركز آمدي هاندسون بمدينة هيوستن تقدماً علمياً في شأن سرطان المبيض، فحواه إمكانية استخدام عقاقير تستهدف الأوعية الدموية التي تغذي السرطان. أما في ما يتعلق بتشخيص سرطان المبيض فقد أعلن في المؤتمر عن استحداث طرق لرصد أورام المبيض في شكل مبكر. وفي شكل عام يمكن القول أن ملاحظة بعض العوارض يجب أن تدفع إلى استشارة الطبيب. صحيح أن هذه العوارض لا تعكس بالضرورة وجود مرض خبيث، ولكنها يمكن أن تكون علامات الإنذار الأولى له، ومن أهم هذه العوارض: 1- وجود كتلة في أي مكان من الجسم. 2- صعوبة في البلع. 3- نقص الوزن من غير سبب مبرر. 4- النزف في البول أو من فوهة الخروج. 5- البحة في الصوت التي لا تستجيب للعلاج. 6- السعال المعند خصوصاً إذا ترافق مع خروج دم. 7- ظهور تبدلات غير طبيعية في الشامة. 8- وجود تقرح جلدي لا يشفى بالعلاج. 9- تبدلات في عادات التبرز أو التبول. إن العلم يتقدم بخطوات حثيثة لقهر السرطان، سواء في المجال التشخيصي أو في المجال العلاجي، خصوصاً على صعيد إيجاد عقاقير جديدة تتوجه أكثر فأكثر لضرب الخلية السرطانية في شكل دقيق من دون النيل من الخلايا السليمة، وهذا بالتالي ما يخفف من حدة التأثيرات الجانبية على المريض. صحيح أن هناك صعوبات جمة ما زالت تعترض الباحثين، ولكن ما تجب معرفته هو أن الحرب على المرض هي معركة تتألف من صولات وجولات لا بد في النهاية أن تنتهي بالضربة القاضية على السرطان إن لم يكن غداً فبعد غد. [email protected]