لا أحد يشك بعظم الثورة السورية، فهي ثورة سيخلّدها التاريخ للأبد، ثورة تجلت فيها جميع صور التضحية والشجاعة والإقدام، ثورة لن تفي بحقها مجلدات وكتب، فكيف بمقال عابر؟ ضحى الشعب السوري وما زال يضحي بالغالي والنفيس لأجل النصر والظفر بحريته التي كبّلها ذاك النظام المستبد، لكن البشائر تتوالى بقرب سقوط هذا النظام وزواله بإذن الله، وإن كان بشار وأعوانه يرون أن انتصار الثورة بعيد، لكنهم الثوار، ونحن نراه قريباً إن شاء الله (إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً). هي ثورة عظيمة تجاوزت محيطها الداخلي لترمي ثمارها وبعض من ينعها إلى الجار العربي الآخر، ثورة كشفت اللثام عن فوارس جبناء، وعن سيوف من خشب، وعن خيول كُنا نظنها عربية.. ثورة أتت لتعري الكثير والكثير.. سواءً من الأقلام أو الأعلام في الإعلام أو من المفكرين أو من الإسلاميين المستسلمين للسلاطين، فقد قزمتهم كثيراً بعد أن قزموا خصومهم دهراً طويلاً، وأظهرتهم على حقيقتهم السيئة والقبيحة. فعلى الضفة المقابلة للشعب السوري وثورته ضد الاستبداد والظلم، يلحظ المتابع العربي وبوضوح نتاجاً أولياً للثورة السورية على المحيط العربي، فمن الواضح أن الثورة السورية عرت الكثير ممن انخدعنا بأحرفهم وكلماتهم. الثورة السورية وإن لم يجن السوريون بعد ثمارها، إلا أن الكثير من المتابعين بدأوا فعلاً في جني بعض من ثمارها، فبينت للبسطاء والذين لا يعرفون هؤلاء المتسابقين على الشاشات والمنابر وزوايا الصحف إلا من خلال كتاباتهم أو تحليلاتهم وخطبهم أو حتى إداراتهم لبعض المواقع والصحف والمحطات، أن هؤلاء ما هم إلا أبواق زرعتها أنظمة قمعية لمهاجمة أنظمة قمعية أخرى، وما هم إلا دمى تحركهم تلك الأنظمة في أي اتجاه تشاء، وما هم إلا «بياعين كلام» ليس أكثر. لا أقصد شخصاً بعينه ولا محطة بعينها ولا خطيباً معيناً أو صحيفة معينة. لكن لدي مقياسي الخاص الذي أقيس عليه أموراً كهذه ومن حقكم أن تُخالفوني فيه، فمقياسي بسيط، فمثلاً إذا رأيت الإعلامي أو المفكر أو رجل الدين يتكلم عن الحقوق والعدل والديموقراطية والقيم السامية التي يجب أن تُطبق في سورية، وأن بشار رجل أسرف في الظلم والقتل وليس هو ليس برجل المرحلة بل شخص تجاوزه الزمن وهو مجرم سفاك للدماء (وهو بلا شك كذلك) وتجب محاكمته ويذرف الدموع على ذلك، وفجأة وبلا مقدمات يخرس لسانه ولا يكاد ينبض قلبه حين يكون الكلام عن بلاده أو أرضه وعن الحقوق فيها أو عن قيم العدل والمساواة والحريات ومدى تطبيقها، فضلاً عن الديموقراطية ومواكبة العصر، فتجده ينتفض ويثور ضد كل من يطالب بهذا الشيء بل وربما ذهب إلى تخوينه وتكفيره! حينها سأجزم بأن هذا الإعلامي الذي أتعب قلمه أو ذاك المفكر الذي سئمنا تحليلاته أو ذاك الشيخ الذي أوجع أسماعنا.. كلهم شبيحة، لكنهم شبيحة نظام قمعي، موجهين ضد نظام قمعي آخر. فنصيحتي لك عزيزي القارئ تجنب القراءة لهم أو الاستماع للقاءاتهم وخطبهم أو حتى متابعة قنواتهم وصحفهم التي يديرونها، وحتى في «تويتر»، أنصحك بعمل «unfollow» لهم.