بصدور العدد الأول من مجلة «الطليعة» التي يرأس تحريرها ايمان يحيى ومصطفى الجمال، يتسعيد اليسار المصري منبره الفكري بصورة تتواكب مع معطيات الواقع الجديد. فكما كان السلفيون الجدد ثوريين على المنهج السلفي التقليدي الذي يبعد السلفيين عن السياسة ويحرم العمل الحزبي، نجد مجلة «الطليعة» تخرج في ثوب جديد عن النخبوية القاتلة التي طبعتها في اصدارها الأول، فقد كانت محافظة ونظرية بطريقة ابعدتها عن الجمهور المصري، لكن «الطليعة» الجديدة جاءت في موقع وسط بين المجلة الأكاديمية الفكرية والمجلة التي تخاطب الجمهور... يرى كثر أن اليسار إما قد تحالف فصيل منه مع نظام حسني مبارك في اطار الاندماج في السلطة لمجابهة عدو مشترك هو الإسلاميين، فعمل اليساريون المعنيون في مؤسسات الثقافة والإعلام المصرية، أو دخلوا في اطار حزب التجمع المصري، أو تشتتوا كأفراد أو عملوا في اطارمراكز بحثية محدودة، كمركز الدراسات العربية الأفريقية أو في اطار منظمات حقوق الإنسان. وظن البعض أن اليسار المصري تراجع في اوساط العمال، ولم يكن له قواعد شبابية جديدة. لكن مع ثورة «25 يناير» بات اليسار المصري يتبلور بصورة جديدة في شكل أحزاب تكشف عن دفق في الحياة السياسة المصرية، فهناك تيارات من الشباب اليساري تلاحمت مع بعض من حافظ على استقلاليته من الأجيال المتقدمة من اليسار، فدخلوا الانتخابات البرلمانية ضمن تحالف «الثورة مستمرة» إلا أن معركة اليسار المقبلة ستكون في انتخابات البرلمان في 2017 التي ستكشف إن كان اليسار الجديد في مصر نجح في اكتساب أرضية جديدة أم لا. فهل سيتمكن من كسب أرضية لدى الشارع عبر لغة سياسية تقربه من الجمهور؟ العدد الأول العدد الأول من «الطليعة» قدم لنا وثائق الأحزاب الاشتراكية الجدية في مصر، وقراءتها تكشف الكثير، مثل: - إعلان تأسيس الحزب الاشتركي المصري: يرى هذا الاعلان أن الاشتراكية ليست وصفة جاهزة تامة الصنع، وإنما هي رؤية حياتية ومستقبلية مرنة فيها متسع من الحوار بين كل الاجتهادات الفكرية التي تحاول صوغ الأفكار والبرامج وخطط العمل انطلاقاً من الواقع المصري. هنا يخرج الحزب من نمط الأدلجة الضيق إلى نمط الفكر المرن الذي يطور نفسه طبقاً لمقتضيات الواقع، فالقولبة الفكرية التي وضعت اليسار المصري في اطار ضيق وحجمت انتشاره في الشارع يبدو أن الجيل الجديد من الاشتراكيين استفاد من تجارب أسلافه وسيبتعد عنها. - تُجمع غالبية تيارات اليسار المصري على عجز الرأسمالية عن ادارة الاقتصاد المصري وتحقيق التنمية الشاملة. فقد جاءت محصلة النمو الرأسمالي في مصر لتسفر عن اقتصاد هش يفتقر إلى السيطرة على شروط تجدد الانتاج. ويلحظ الحزب الاشتراكي أن حصة الزراعة والصناعة في الاقتصاد تتراجع بما يجعل الاقتصاد يعتمد على العالم الخارجي في توفير حاجاته الأساسية. - يناهض الحزب تزاوج رأس المال والسلطة، ويتمحور برنامجه حول تغيير الهيكل الاقتصادي من هيكل خدمي يعتمد على المضاربات والنشاطات الريعية في السياحة والخدمات والعقارات إلى هيكل إنتاجي زراعي صناعي، مع تشديد الرقابة على الأسواق. ويقر أيضاً ضمان حق العمال والعاطلين عن العمل في تكوين نقاباتهم المستقلة بحرية بمجرد الإخطار وبدون وصاية من الدولة. وعلى صعيد السياسة الخارجية يهدف الحزب الى اقامة علاقات متكافئة ومتوازنة مع دول الجوار والتصدي لمخططات الهيمنة الأميركية والصهيونية مع التركيز على العلاقات العربية، اذ يدرك الحزب أن الانتماء العربي ليس مجرد اختيار بل ضرورة حيوية في الحاضر والمستقبل. - البيان التأسيسي لحزب التحالف الاشتراكي ينهض الحزب على فرضية أساسية هي أن الشعب المصري مصدر لجميع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ودولته مدنية، نظامها جمهوري نيابي ينهض على دولة المواطنة والقانون التي يتساوى فيها جميع المصريين. ويركز الحزب في بيانه على الدولة، فوظائفها التنموية تفك روابط التبعية مع نظام اقتصادي عالمي يخضع لهيمنة الدول الكبرى والشركات الاحتكارية العملاقة بهدف تعظيم الأرباح. كما تختلف وظائف الدولة التنموية عن الدولة التابعة في توجهاتها السياسية التي تعزز العلاقات مع الحكومة وحركات الشعوب المعارضة للهيمنة العولمية الرأسمالية، وعلى الأخص في المجال العربي ودول الجنوب ودول الجوار للمحيط العربي ودول حوض النيل. وفي رأي الحزب يرتكز شكل الحكم في الدولة التنموية على المشاركة الشعبية والتنظيمات القاعدية، بينما تتراوح أشكال الحكم التابعة ما بين النظم السلطوية التسلطية الصريحة أو تداول السلطة بين نخب مغلقة أو الأخذ بخلطة بين التسلطية والتعددية المقيدة. وتلعب الدولة دوراً، في رأي الحزب، في ضبط الأسواق وتعبئة الموارد من خلال حزمة سياسات تشمل دعم مدخلات الزراعة والصناعة وتشجيع التعاونيات ودعم المستهلكين الفقراء وتشجيع أشكال الرقابة الشعبية والرسمية. - يتبقى برنامج حزب العمال الذي يضم خطوات ترتكز على تعزيز مكاسب العمال في كل المجالات مشدداً على حقوق فئات العمال والفلاحين. لكن يبقى الجدل حول برامج هذه الأحزاب محدوداً، فهي تحتاج إلى مزيد من التواصل الإعلامي. لذا يعد صدور مجلة «الطليعة» بمثابة بداية حقيقية لهذه الأحزاب التي يحقق وجودها درجة من التوازن في الحياة السياسية المصرية. * كاتب مصري