تكرّس الخلاف بين الرئيس اللبناني ميشال سليمان وبين وزراء «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون وحركة «أمل» و«حزب الله»، على موضوع توقيع مرسوم رفع سقف الإنفاق لموازنة عام 2011، إذ كرر سليمان في جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت أمس رفضه إصدار مشروع القانون بتشريع رفع الإنفاق بقيمة 8900 بليون ليرة لبنانية لاعتباره أنه قابل للطعن لأنه غير قانوني، فيما رأى وزراء «8 آذار» أن لرئيس الجمهورية صلاحية توقيع المرسوم لأنه أحيل الى البرلمان بصفة المعجل، التي تعطي الرئيس حق إصداره بعد مضي 40 يوماً على تلاوته أمام الهيئة العامة للمجلس النيابي. وإذ جرى نقاش مستفيض في مجلس الوزراء حول هذا الموضوع بدا فيه موقف سليمان متشدداً وسانده فيه وزراء «جبهة النضال الوطني» النيابية التي يرأسها النائب وليد جنبلاط، مقابل موقف وزراء 8 آذار، كشف السفير السعودي في بيروت علي عسيري أمس عن وضع القوى الأمنية اللبنانية اليد على عصابة من أشخاص عدة من التابعية العراقية خطفت اثنين من المواطنين السعوديين منذ 16 الجاري بقصد الابتزاز المالي، بعدما أدت المعطيات التي وفرها الجانب السعودي الى فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي الى إلقاء القبض على اثنين من أفراد العصابة أثناء محاولتهما قبض مبلغ من المال جرى تحويله الى حساب أحدهما. وتمكنت «الحياة» من الحصول على تفاصيل عملية الخطف وكيفية كشف حصولها وقيام فرع المعلومات بملاحقة الخاطفين والقبض على اثنين منهم، فيما تستمر ملاحقة رئيس العصابة وفتاة شاركت في استدراج المغدورين اللذين أدخلا المستشفى للعلاج جراء كسور ورضوض أصيبا بها. وغادر أحدهما المستشفى فيما بقي فيه الثاني ريثما ينتهي علاجه. وتبين أن أفراد العصابة من أصحاب السوابق لكن خارج لبنان وقدموا إليه قبل مدة وجيزة. وتعتمد العصابة أسلوب تعرية المخطوفين وتصويرهم لابتزازهم. ووجدت على هاتفي الموقوفين صور لأشخاص آخرين اعتمدت العصابة سابقاً الأسلوب نفسه معهم. وأكد السفير عسيري أن الحادثة لم تكن لها أية دوافع سياسية، وإنما كانت بقصد السرقة، وقامت بها عصابة يحمل أفرادها جنسية دولة عربية. وأشار إلى أن المقبوض عليهم في الحادثة هم من جنسيات غير لبنانية. وقال عسيري ل «الحياة» أمس: «حادثة الخطف والتعذيب لم يكن هدفها سياسياً للرد على مواقف المملكة، لكنها كانت حادثة جنائية فقط». وزاد: «المواطنان السعوديان للأسف تعرضا على مدى 8 أيام لحالات تعذيب جسدي من طريق الصعق الكهربائي، كما أن الخاطفين أجبروهما على إجراء تحويلات مالية كبيرة من حساباتهما أثناء فترة احتجازهما». وتابع: «هناك جهود كبيرة تبذل من جانب الأجهزة اللبنانية، ووزير الصحة اللبناني أعطى تعليماته ليكون علاج المصابين على نفقة الدولة، فيما أكد وزير الداخلية اللبناني أن الوزارة ستتابع القضية كاملة حتى إلقاء القبض على جميع أفراد العصابة». وقال عسيري إن السفارة أنشأت قسماً مختصاً بشؤون السعوديين، وأنها تتلقى الاتصالات الهاتفية على مدار الساعة، تنبه السياح السعوديين أو غيرهم من الذين يرغبون في زيارة لبنان بضرورة تسجيل جوازاتهم، وأماكن إقامتهم في السفارة منذ لحظة الوصول. محذرة من التعامل مع أشخاص مجهولين، ولافتة إلى ضرورة اختيار المسكن الآمن في لبنان. وعما إذا كانت السفارة تحذر السعوديين من السفر إلى لبنان خلال هذه الفترة، قال عسيري: «أبداً، لا يمكن أن نتنبأ بالوضع الأمني في لبنان، ولكن الجهود الأمنية التي تبذل من الجانب اللبناني كبيرة في تحقيق الأمن الداخلي». وكان عسيري أصدر بياناً صحافياً مساء أول من أمس أكد فيه سلامة المخطوفين السعوديين توفيق الشقاقيق وعبدالله الشقاقيق. وبالعودة الى خلاف رئيس الجمهورية مع وزراء 8 آذار حول إصدار قانون تشريع رفع سقف الإنفاق بقيمة 8900 بليون ليرة (نحو 6 بلايين دولار) الذي استحوذ على نقاش مطوّل في مجلس الوزراء أمس، علمت «الحياة» من مصادر وزارية أن الوزراء علي حسن خليل (أمل) ومحمد فنيش وحسين الحاج حسن (حزب الله) ووزراء «التيار الحر» أدلوا بمداخلات كرروا فيها مطالبتهم رئيس الجمهورية بإصدار مرسوم برفع سقف الإنفاق استناداً الى صلاحياته، معتبرين أن التأخر في تغطية رفع الإنفاق يعطّل عمل الوزارات والإدارات، طالما أن هذا الإنفاق يتم وفق مشاريع أو موجبات مقررة في مجلس الوزراء. وذكرت المصادر أن فنيش كان مصرّاً على هذا الأمر رافضاً ربطه بأي موضوع آخر، معتبراً أن التأخر في ذلك يمس عمل الحكومة وصورتها وتعاون مكوناتها للإيفاء بواجباتها إزاء مصالح المواطنين وحاجاتهم. وذكرت المصادر أن الرئيس سليمان كرر بدوره القول إن مشروع القانون كما أحيل الى البرلمان وضعت عليه ملاحظات في لجنة المال والموازنة اعتبرته غير قانوني وكل الاستشارات القانونية والملاحظات التي وضعت عليه تقول ذلك وبالتالي لن أوقع مرسوماً يمكن الطعن به. وتوجه الى وزير المال محمد الصفدي مطالباً إياه بأن يُعد مشروع قانون جديد لرفع سقف الإنفاق «مع تضمينه الملاحظات التي أطلعتني عليها في شأنه ونقرّه في مجلس الوزراء ونحوّله الى البرلمان لإقراره». إلا أن وزراء 8 آذار أصرّوا على مطلبهم توقيع المشروع الحالي من قبل سليمان، فجرى نقاش هادئ بين وزراء «جبهة النضال» وبين هؤلاء الوزراء قال فيه وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور إن من يسمع كلامكم يستنتج أن الرئيس سليمان هو المسؤول عن ثغرات الحكومة في الإنفاق والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها البلد ومنها الكهرباء. وقال: «جرى تشكيك بموقفنا بالتعاون داخل الأكثرية وبرهنا أننا في صلبها وصوتنا في البرلمان الى جانب الثقة حين طرحت ويجب معالجة الأمور بطريقة مختلفة بين مكوناتها». وردّ فنيش وحسن خليل والحاج حسن مؤكدين أن «من حق رئيس الجمهورية أن يطرح المسألة القانونية ونحن نطلب توقيع المرسوم تحت سقف القانون». وفيما اقتصرت مداخلات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي (غادر أمس الى بروكسيل) على طرح بعض الأسئلة قال وزير الأشغال غازي العريضي: «اعتبرنا أن الحكومة نالت ثقة متجددة واحتفلنا بأكل الكنافة وبأن هذا يشكل انطلاقة جديدة لها. لكن ما نراه أنها تتراجع الى الوراء». وحين مازحه ميقاتي قائلاً: «أنت لم تكن موجوداً. المرة المقبلة سنأكل الكرابيج». رد العريضي قائلاً: «أنا لا. الكرباج له معنى آخر». وشدد على أن «هذه الحكومة كالحكومات السابقة وكل الإنفاق تم بشكل غير قانوني وتقولون إن هذه الحكومة لم تخالف في الإنفاق (على خلفية اتهام حكومات الرئيس فؤاد السنيورة برفعها سقف الإنفاق بقيمة 11 بليون دولار خلال 4 سنوات) لكن الأطراف الموجودة في هذه الحكومة كانت موجودة في الحكومات السابقة وأنفقت. وإذا اعتبرتم أن ما حصل غير قانوني ويجري العمل على تصحيحه فرئيس الجمهورية يعتبر أن المرسوم الذي تطالبونه بتوقيعه غير قانوني فكيف تلاحظون وجود إنفاق غير قانوني ولا يحق للرئيس أن يمتنع عن توقيع شيء غير قانوني؟». ولاحظ العريضي أن هناك وزيراً هو شربل نحاس (يمثل تكتل عون) أطيح من الحكومة لأنه أصر على عدم توقيع مرسوم اعتبره غير قانوني. والآن هناك من ينتمي الى الفريق نفسه (رئيس لجنة المال النائب إبراهيم كنعان) أبدى ملاحظات قانونية على المرسوم المطلوب من الرئيس توقيعه «فهل القانون مطاط أم له معيار واحد؟ وعلينا أن يكون صريحين إما يكون هناك معيار واحد أو نقول إن الحكومة جددت الثقة بها في البرلمان ونقوم بصرف الأموال بسلف خزينة حتى لو لم تكن هناك تغطية قانونية لها لأننا نقوم بكل ما يحقق مصالح الناس...». وبعد ظهر أمس ألقى نائب الأمين العام ل «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم كلمة في إحدى المناسبات قال فيها: «كل من يمتنع عن تسهيل إقرار ال8900 بليون ليرة يساعد على تعطيل الانتظام العام ومصالح الناس».