في كل عام، ينظم العلمانيون في لبنان أنفسهم للنزول إلى الشارع. وفي زحمة الطوائف يختارون يوماً واحداً كل سنة للتعبير عن أنفسهم وعن مطالبهم. مسيرتهم غالباً ما تكون أشبه بكرنفالٍ استعراضي يبتعدون فيه عن نمطية التظاهرات اللبنانية المكررة والممجوجة، وإن لم يملّها اللبنانيون بعد. قانون مدني للأحوال الشخصية، قانون حماية المرأة من العنف الأسري، إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات الذي يبرّئ المغتصب إن تزوج بضحيته، الرقابة على الإنترنت، إعادة النظر في الرقابة على الأعمال السينمائية والمسرحية... هي الأهداف والعناوين الرئيسة التي اختارها «العلمانيون نحو المواطنة» في مسيرتهم السنوية التي انطلقت من حديقة الصنائع إلى عين المريسه. الحشد لم يتجاوز الألفي شخص على أبعد تقدير. جزء كبير من المشاركين ناشطٌ في الحراك، منذ انطلاقته في 2010، والجزء الآخر شارك تلبيةً للدعوات التي انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي. مسيرةٌ انتشرت دعوتها في العالم الافتراضي واستقطبت من هم فقط سكان ذلك العالم. وبدأت المسيرة من حديقة الصنائع، وهي من آخر الحدائق العامة في بيروت، معظم زوارها من الفئات الاجتماعية الفقيرة و"المستورة" التي تقصدها لتفادي دفع المال في مقابل قليل من المرح. المرح ذلك الامتياز الذي بات الحصول عليه شبه مستحيل. وما إن مرت المسيرة بالقرب من الحديقة حتى سارع الناس الموجودون داخلها إلى تسلق السياج للتفرّج على "العلمانيين"... وكأنهم ليسوا من عالمهم. لم يمنعهم ذلك من التفاعل مع المسيرة والأوركسترا المتجولة التي رافقتها، على رغم عدم معرفة معظمهم بدوافعها وأهدافها. فالحضور على شبكات التواصل الإجتماعي التي إنبثق منها التحرك بعيد بعض الشيء عن أهوائهم وهمومهم. وهيّص المتفرجون مع المتظاهرين قليلاً، ثم عادوا إلى مقاعد حديقتهم ربما خوفاً من خسارتها في حال تركها وانضمامهم إلى مسيرةٍ ترفع بعضاً من مطالبهم واستأنفوا مرحهم "المجاني". وعلى رغم ترديد الشعار "يلي واقف عَ البالكون (الشرفة) نزال لاقي شعبك هون" وتكراره على غير حنجرة متحمسة، اكتفى سكان البنايات في الأحياء التي جالت فيها المسيرة بالتلويح لهم من جهة، ومنهم من كال لهم بالشتائم بسبب "الإزعاج"... وفي أحد الأحياء وُجد بيض مكسّر على الطريق، دليلاً على عدم الترحاب بالمسيرة أو ربما بالعلمانية. المهم لم يلبِ الواقفون على الشرفة الدعوة واكتفوا بمراقبة العلمانيين يبتعدون شيئاً فشيئاً، لعلّهم يكونون أوفر حظاً في أحياءٍ أخرى. وهو الأمر الذي لم يحدث. فاستمرت المسيرة على وتيرتها وعدد المشاركين فيها، بعد أن قطعت مناطق فردان والحمرا وصولاً إلى عين المريسه. وبذلك، تكون المسيرة السنوية للعلمانيين مسألة إثبات وجود في بلدٍ ينحصر فيه التعريف عن المواطن (والمقيم أيضاً) بإنتمائه الطائفي بدلاً من هويته الشخصية. ويتجنب المنظّمون، كل سنة، استخدام أساليب أخرى لاستقطاب عدد أكبر من المتضامنين، خصوصاً أن تعريف العلمانية يخضع لتأويلات وتفسيرات مختلفة، بعضها ينفّر بعض اللبنانيين. كما أن هؤلاء لا يجدون في شعار "العلمانية هي الحل" سبباً مقنعاً للانضمام إلى المسيرة والحركة. لا ينفي ذلك أن مجرد لفت أنظار اللبنانيين ومعهم بعض السياح الأجانب والعرب إلى التحرك، ولو كان ذلك يوماً واحداً في السنة، هو بحد ذاته أمر مهم، لو ارتأى العلمانيون أن مسألة التغيير هي عملية تراكمية، تحتاج إلى وقت وصبر طويلين. إلا أن توقف عدد من المارة، ومن بينهم متضامنون مع المسيرة، أمام لافتاتٍ على الطرقات تعرض المساعدة للهجرة، ينذر بأن التعويل على الفعل التراكمي للتحرك ليس مراهنةً صائبة، في وقت استطاعت شعوب عربية اسقاط أنظمة بأقل من شهور... حين اتخذت القرار. ________ لمشاهدة شريط مصور للمسيرة انقر هنا